في الوقت الذي يخرج فيه وزير النقل والصناعة، كامل الوزير، بتصريحات "وردية" تدعي أن دخل الأسرة في قنا يصل إلى 14 ألف جنيه شهرياً بفضل عمل الزوج والزوجة في المصانع، تأتي لغة الأرقام الرسمية لتكشف عن فجوة هائلة بين ما يُقال في المؤتمرات وبين الواقع المؤلم الذي يعيشه أكثر من 3 ملايين مواطن في المحافظة.

 

3.7 مليون نسمة.. أين يعملون يا معالي الوزير؟

 

وفقاً لأحدث بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ومحافظة قنا لعام 2024، يبلغ عدد سكان المحافظة حوالي 3.7 مليون نسمة.

إذا افترضنا أن متوسط حجم الأسرة في الصعيد هو 4 إلى 5 أفراد، فهذا يعني وجود ما يقرب من 750 ألف إلى 900 ألف أسرة في قنا.

 

والسؤال الذي يطرح نفسه بحدة: كم من هذه الأسر يعمل فيها "الزوج والزوجة" معاً في مصانع القطاع الخاص ليحققوا هذا الدخل الحلم؟

تصريح الوزير يفترض تعميماً لا وجود له إلا في خياله، متجاهلاً السواد الأعظم من الأسر التي تعتمد على الزراعة الموسمية أو العمالة غير المنتظمة التي لا تعرف شيئاً عن الحد الأدنى للأجور.

 


 

أكذوبة "المصانع للجميع": قطرة في محيط البطالة

 

يستند الوزير في حساباته إلى المناطق الصناعية في "هو" و"قفط". لكن بالنظر إلى الأرقام الفعلية، نجد كارثة حقيقية. المنطقة الصناعية في "هو" بنجع حمادي، على سبيل المثال، تضم عدداً محدوداً من المصانع المنتجة فعلياً (تتحدث بعض التقارير عن 14 مصنعاً منتجاً فقط ومصانع أخرى تحت الإنشاء) توفر بضعة آلاف من فرص العمل. حتى لو افترضنا عمل كافة المصانع في المنطقتين بطاقتها القصوى، فإن إجمالي العمالة لن يتجاوز بضعة عشرات الآلاف في أحسن الأحوال.

 

بمقارنة بسيطة: هل يمكن لـ 20 أو 30 ألف فرصة عمل (بتقدير متفائل جداً) أن تغطي احتياجات قوة عمل تبلغ مئات الآلاف في محافظة تعدادها 3.7 مليون؟ النسبة تكاد تكون صفرية، والحديث عن أن "المصانع" هي مصدر دخل الأسر القناوية هو تدليس واضح للحقائق.


 

خرافة "عمل الزوجة".. نساء الصعيد في مواجهة الأرقام

 

الركيزة الثانية في تصريح الوزير هي "عمل الزوجة". وهنا تصطدم الوزارة بحائط الصد الثقافي والإحصائي. تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن نسبة مساهمة المرأة في قوة العمل على مستوى الجمهورية تبلغ فقط 16.9% ، وهذه النسبة تنخفض بشكل ملحوظ في محافظات الصعيد نظراً للطبيعة الاجتماعية وقلة الفرص.

 

الأكثر صدمة هو أن نسبة النساء العاملات في "المهن الحرفية" (التي تشمل العمل بالمصانع) لا تتجاوز 2.0% من إجمالي المشتغلات. أي أن الغالبية العظمى من نساء قنا، ونساء الصعيد عموماً، هن إما ربات بيوت أو يعملن في الزراعة العائلية غير مدفوعة الأجر. فمن أين جاء الوزير بفرضية أن كل زوجة في قنا هي "عاملة مصنع" تتقاضى 7000 جنيه؟

 

الحد الأدنى للأجور.. حبر على ورق الحكومة

 

بينما يتحدث الوزير عن 7000 جنيه كحد أدنى، يعلم القاصي والداني في قنا أن القطاع الخاص، وخاصة في الصعيد، نادراً ما يلتزم بهذه الأرقام. الغالبية العظمى من العاملين يقعون تحت طائلة "القطاع غير الرسمي" أو العمالة اليومية، حيث لا عقود ولا تأمينات ولا حد أدنى.

 

الحديث عن دخل 14 ألف جنيه للأسرة هو انفصال تام عن واقع محافظة تعاني من معدلات فقر تجاوزت 40% في سنوات سابقة، ولا تزال تعتمد قرى كاملة فيها على معاشات "تكافل وكرامة" التي لا تتجاوز بضع مئات من الجنيهات.

 

وانتشرت في الآونة الأخيرة اعتصامات وإضربات في العديد من المصانع لتطبيق الحد الأدنى للأجور لكن دون جدوى:

 

 

 

 

الخلاصة: تصريحات كامل الوزير ليست مجرد "تفاؤل"، بل هي محاولة لتصدير صورة وهمية تخالف أبسط قواعد الحساب والمنطق. فلا عدد المصانع يكفي، ولا ثقافة المجتمع تدعم عمل المرأة بالمعدلات المذكورة، ولا القطاع الخاص يلتزم بالأجور المعلنة. إنه "فنكوش" جديد يُباع للغلابة في قنا.