في فضيحة حقوقية تعري زيف شعارات حقوق الإنسان الأوروبية، وتكشف عن الوجه القبيح للتواطؤ الغربي مع الأنظمة القمعية، يواجه الإمام المصري محمد شاهين خطرًا وجوديًا بقرار ترحيله قسرًا من إيطاليا إلى مصر.

 

هذه الخطوة لا تعني مجرد طرد مهاجر أقام في البلاد بسلام لمدة 21 عامًا، بل تمثل حكمًا غير مكتوب بـ "الإعدام البطيء" أو "التصفية الجسدية" داخل سجون نظام الانقلاب العسكري، الذي حول مصر إلى مقبرة مفتوحة للمعارضين. شاهين، الذي لم يرتكب جرمًا سوى التعبير عن رأي سياسي داعم لفلسطين، يجد نفسه اليوم ضحية صفقة صامتة تسلمه من "الجنة الأوروبية" المزعومة إلى "جحيم السيسي" المؤكد.

 

جريمة الكلمة.. وعقاب "التسليم للجلاد"

 

بدأت مأساة شاهين، الإمام السابق لمسجد "سان سلفاريو"، عندما تجرأ على كسر السردية الصهيونية في الغرب. فخلال فعالية في تورينو يوم 9 أكتوبر، وصف هجوم السابع من أكتوبر بأنه "عمل مقاومة" نتاج سنوات من الاحتلال. ورغم أن نيابة تورينو نفسها أقرت –وفقًا لصحيفة "إل فاتّو كوتيديانو"– بعدم وجود أي دليل على أن تصريحاته خالفت القانون أو حرضت على العنف ، إلا أن وزارة الداخلية الإيطالية قررت لعب دور "الشرطي الوكيل"، فألغت إقامته واحتجزته في مركز ترحيل بصقلية تمهيدًا لتسليمه.

 

هذا التناقض الفج بين البراءة القضائية والإدانة السياسية يؤكد أن قرار الترحيل هو "قرار سياسي" بامتياز، يهدف لاسترضاء اللوبي الصهيوني، حتى لو كان الثمن تقديم رأس إمام مسالم هدية لنظام لا يعرف لغة سوى القتل والتعذيب.

 

صرخة من الزنزانة: "العودة تعني الموت"

 

لم يكن الإمام شاهين يبالغ حين وقف أمام قضاة محكمة الاستئناف في تورينو صارخًا: "ترحيلِي إلى مصر سيعرضني للتعذيب وربما القتل" . الرجل يدرك جيدًا ما ينتظره هناك؛ فهو معروف بمعارضته لنظام الانقلاب، وهي "التهمة" التي تكفي في عرف النظام الحالي لإخفاء المواطن قسريًا لسنوات، أو التنكيل به في أقبية الأمن الوطني حتى الموت.

 

إن سجل النظام المصري في التعامل مع المعارضين العائدين من الخارج "حافل بالدم"، حيث يتحول المطار من بوابة للوطن إلى بوابة للجحيم. وشاهين، بصفته صوتًا إسلاميًا معارضًا، سيكون "صيدًا ثمينًا" لأجهزة أمنية تتلذذ بقمع الأصوات الحرة، مما يجعل قرار إيطاليا بترحيله بمثابة "مشاركة مباشرة في جريمة تعذيب محتملة".

 

انتفاضة الضمير العالمي ضد "التواطؤ"

 

أثارت قضية شاهين موجة غضب عارمة فضحت العزلة الأخلاقية للحكومة الإيطالية. فقد تحركت النخبة الأكاديمية والدينية والسياسية لإنقاذ الرجل من مصيره المحتوم.

 

•  تحذيرات سياسية: أكد "إسمايلي لا فاردييرا"، عضو الجمعية الإقليمية في صقلية، بعد زيارته لشاهين أن الأخير "لن يجد أي فرصة للنجاة" إذا عاد لمصر، واصفًا القرار بأنه غير متناسب ولا يليق بدولة ديمقراطية .

 

•  غضب ديني وأكاديمي: وقع نحو 180 أكاديميًا رسالة تطالب بالإفراج عنه، بينما حذرت شبكة قادة الأديان في تورينو وزير الداخلية من أن ترحيل شخصية محورية في الحوار والتعايش مثل شاهين هو "هدم لسنوات من السلام المجتمعي" .

 

•  تضامن أممي: وصل الصدى إلى الشوارع، حيث رفعت الناشطة العالمية غريتا ثونبرغ والمقررة الأممية فرانشيسكا ألبانيزي أصواتهم خلال إضراب عام، مطالبين بالحرية لشاهين ومنددين بتواطؤ الحكومة الإيطالية مع جرائم الإبادة .

 

وأخيرا فإن تسليم محمد شاهين لنظام الانقلاب في مصر ليس إجراءً إداريًا، بل هو جريمة إنسانية مكتملة الأركان. إيطاليا اليوم تقف أمام اختبار تاريخي: إما أن تحترم قيمها وتمنح اللجوء لرجل يفر بحياته، أو أن تتحول رسميًا إلى "مخفر شرطة" يعمل لصالح نظام السيسي، وتلطخ يدها بدماء بريء سيفتك به الجلادون بمجرد أن تطأ قدماه أرض القاهرة.