في تحرك دبلوماسي جماعي يعكس استشعارًا عاليًا للخطر الداهم الذي يتهدد القضية الفلسطينية، وجهت ثماني دول إقليمية وازنة "لاءات حازمة" في وجه المخططات الإسرائيلية الرامية لتفريغ قطاع غزة من سكانه.
فقد أصدر وزراء خارجية كل من تركيا، ومصر، وإندونيسيا، والأردن، وباكستان، وقطر، والسعودية، والإمارات، بيانًا مشتركًا شديد اللهجة، أعربوا فيه عن رفضهم المطلق للتصريحات الإسرائيلية التي تروج لسيناريو "فتح معبر رفح في اتجاه واحد".
هذا السيناريو، الذي يراه الوزراء محاولة مكشوفة لفرض هجرة جماعية قسرية على الغزيين ودفعهم نحو الأراضي المصرية، يمثل خطًا أحمر للأمن القومي العربي والإسلامي، ومحاولة لتصفية القضية الفلسطينية عبر تحويل أهل غزة إلى لاجئين دائمين خارج وطنهم.
لا لنكبة جديدة: التصدي لمؤامرة "التذكرة الواحدة"
جاء البيان الوزاري المشترك ليغلق الباب أمام أي تأويلات أو بالونات اختبار إسرائيلية تسعى لجس نبض المنطقة بشأن مستقبل غزة الديمغرافي. الوزراء أكدوا بلغة حاسمة أن أي محاولة لتهجير الفلسطينيين قسرًا، سواء بالضغط العسكري أو بخلق واقع إنساني مستحيل، هي "مرفوضة تمامًا".
التركيز على جزئية "المعبر في اتجاه واحد" يحمل دلالات خطيرة؛ فهو يعني تحويل رفح إلى بوابة للخروج النهائي دون عودة، مما يعيد للأذهان مشاهد نكبة 1948. لذا، شدد البيان على ضرورة الالتزام الكامل بمقاربة مغايرة تضمن حق الفلسطينيين في البقاء، معتبرًا أن تفريغ الأرض من أهلها ليس حلًا أمنيًا بل جريمة حرب مكتملة الأركان تهدد استقرار الإقليم بأسره وتنسف أي أفق للسلام المستقبلي.
الرهان على "خطة ترامب": المعبر في الاتجاهين شرط للاستقرار
في مفارقة سياسية لافتة، استند الموقف العربي والإسلامي الموحد إلى مرجعية أمريكية، حيث شدد الوزراء على ضرورة الالتزام الحرفي بخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. هذه الخطة، وفقًا للبيان، تنص بوضوح على تشغيل معبر رفح "في الاتجاهين"، مما يضمن حرية الحركة للسكان دون إجبارهم على المغادرة النهائية، ويوفر لهم الظروف الملائمة للصمود وإعادة إعمار ما دمرته الحرب.
وأشاد البيان بالتزام الإدارة الأمريكية الحالية بدعم الاستقرار، داعيًا واشنطن إلى ترجمة وعودها إلى أفعال عبر تنفيذ بنود الخطة "دون تأخير". هذا الاستناد يعكس رغبة المجموعة في تحميل الراعي الأمريكي مسؤولياته المباشرة، ووضعه أمام اختبار المصداقية لضمان عدم تحول خطته إلى غطاء لممارسات الاحتلال على الأرض.
نزيف الدم المستمر: خروقات تنسف الهدوء الهش
لم يغفل البيان الواقع الميداني المأساوي؛ إذ يأتي هذا التحرك الدبلوماسي في ظل استمرار آلة الحرب الإسرائيلية في خرق اتفاق وقف إطلاق النار المعلن منذ 10 أكتوبر 2025. هذه الخروقات لم تكن مجرد حوادث عرضية، بل أسفرت عن سقوط مئات الشهداء والجرحى الجدد، لتضاف إلى حصيلة كارثية لهذه الحرب التي خلفت حتى الآن أكثر من 70 ألف شهيد وأكثر من 171 ألف مصاب، جلهم من النساء والأطفال.
كما أشار الوزراء إلى حجم الدمار الهائل الذي حول القطاع إلى منطقة منكوبة، حيث قدّرت الأمم المتحدة كلفة إعادة الإعمار بنحو 70 مليار دولار، وهو رقم يعكس حجم التدمير المنهجي للبنية التحتية والمساكن، مما يجعل مهمة "إعادة الإعمار" التي يطالب بها البيان تحديًا وجوديًا لا يحتمل التأجيل.
أفق سياسي ملزم: القرار 2803 وعودة السلطة
رسم البيان خارطة طريق للخروج من النفق المظلم، تتجاوز الحلول الإنسانية المؤقتة إلى معالجة جذور الصراع. شدد الوزراء على ثلاث ركائز أساسية:
- تثبيت وقف إطلاق النار بشكل كامل ونهائي لوقف نزيف الدم.
- ضمان تدفق المساعدات دون عوائق إسرائيلية، كحق إنساني غير قابل للتفاوض.
- التمكين السياسي: تهيئة الظروف لعودة السلطة الفلسطينية لتولي مهامها السيادية في القطاع، كخطوة لتوحيد الصف الفلسطيني.
واختتمت الدول الثماني بيانها بتجديد الاستعداد للعمل المشترك مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي لضمان تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2803، مؤكدة أن الهدف النهائي يظل تحقيق سلام شامل وعادل وفق حل الدولتين، يفضي إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، باعتباره السبيل الوحيد لإنهاء دوامة العنف المستمرة.

