في فصل جديد من فصول "المسرحية الديمقراطية" التي تديرها الأجهزة الأمنية، خرجت سلطة الانقلاب لتعلن نتائج انتخابات مجلس النواب 2025، في مشهد عبثي حاولت فيه تبرئة ساحتها من الجرائم الانتخابية عبر استراتيجية "إلقاء اللوم على الضحية".
فبينما كشفت الأرقام الرسمية عن عزوف شعبي تاريخي ومقاطعة واسعة، خرج مدير ما يسمى "الجهاز التنفيذي للهيئة الوطنية للانتخابات"، أحمد بنداري، بتصريحات مستفزة زعم فيها أن المشهد كان "منضبطًا"، ملقيًا بمسؤولية الخروقات الفجة على "المواطنين" لا المرشحين، في محاولة بائسة لغسل سمعة النظام من عوار العملية الانتخابية برمتها.
وقاحة رسمية.. تبرئة الجلاد وإدانة الضحية
لم يكتفِ النظام بتزوير المناخ السياسي، بل وصل الأمر بمدير الجهاز التنفيذي للهيئة الوطنية للانتخابات إلى الادعاء بأن التحقيقات لم تثبت تجاوزات لمرشح بعينه، وأن المواطن هو المسؤول عن أي خرق. هذا التصريح أثار موجة سخط واسعة، حيث اعتبره مراقبون امتدادًا لسياسة النظام في التنصل من المسؤولية وتحميل الشعب فاتورة الفشل السياسي والاقتصادي.
وفي تعليق لاذع على هذا المشهد، استحضر الإعلامي معتز مطر أغنية "أنا اللي استاهل" التي ظهرت عقب الانقلاب، معتبرًا أن تصريحات المسؤولين ليست تبرئة للنظام بقدر ما هي "اعتراف مُرّ" بأن استسلام الشارع هو ما يغذي استبداد السلطة. وأكد مطر أن السلطة المستبدة لا تتجبر إلا بشعب مستسلم، محذرًا من أن قبول المواطن بالتزوير أو بيع صوته يجعله شريكًا في الجريمة.
وقال مطر: ".. المواطن هو الذي سلّم بطاقته للصندوق مختاراً، أو مسلّماً بمن يترأس الدولة لسنوات، وهو الذي سكت على رئيس يرتكب جرائم بحق الوطن والشعب وحريته وكرامته.. المواطن هو اللي سكت عمّن قتل وعذّب واغتصب وسجن واعتقل وأخفى قسرياً.. إن سلبية المواطن، وخضوعه، وتفويضه السلطة المطلقة لحاكم فرد.. كلها عوامل ساهمت في صناعة هذا المشهد الكارثي".
واستدرك موضحًا: "هذه ليست تبرئة للنظام الحاكم من جرائمه وانتهاكاته، بل هي تذكير بأن السلطة المستبدة لا تقوى إلا بشعب مستسلم.. لولاكم ما ظلموا ولا باعوا ولا خانوا".
https://twitter.com/moatazmatar/status/1996299066020344015
"باطلة برمتها".. قضاء مسيس وشرعية مفقودة
وعلى صعيد الطعون في شرعية "المسرحية"، نسف الباحث والأكاديمي مأمون فندي العملية الانتخابية من أساسها، واصفًا إياها بالباطلة قانونًا وسياسة. وأشار فندي إلى وجود بطلان في 49 دائرة انتخابية (19 + 30)، ما يعني منطقيًا وقانونيًا سقوط شرعية البرلمان القادم بالكامل.
وانتقد فندي بشدة تحول القضاة إلى "أدوات سياسية" لتبرير التزوير، ساخرًا من حديث أحد القضاة مع الإعلامي شريف عامر، حيث تجاهل القاضي الحقائق القانونية وراح يبشر بـ"أفضل برلمان".
وعلق فندي قائلًا: "عندما يكون هناك بطلان لانتخابات في 49 دائرة، فهذا يعني أن العملية الانتخابية بأكملها باطلة... واضح أن شريف كان 'بيحسس' على القاضي، والقاضي يحاول 'يرقّع' الموضوع، مع أن الأمر الواضح هو ضرورة إعادة فتح باب الترشّح من جديد وإلغاء كل ما جرى. فحديث القاضي لم يكن مقنعًا، ومعظمه كان سياسيًا لا قانونيًا، ويرقى إلى كونه كلامًا فارغًا".
https://twitter.com/mamoun1234/status/1995957179938177353
أرقام تفضح "الزفة الإعلامية".. صفعة المقاطعة الشعبية
ورغم محاولات الإعلام الأمني تصدير مشاهد "الزفة" والرقص أمام اللجان، أو استدعاء مشاهد فلكلورية كناخب على ظهر حمار، إلا أن لغة الأرقام جاءت لتصفع رواية النظام وتكشف عن عزوف شعبي غير مسبوق، يعكس فقدان الثقة التام في جدوى العملية السياسية تحت حكم العسكر.
وكشفت "منصة صحيح مصر" عن الكارثة الرقمية التي يحاول النظام إخفاءها:
- عزوف تاريخي: نسبة المشاركة في القوائم لم تتجاوز 17.5% من إجمالي 69.9 مليون ناخب.
- رفض للقائمة الأمنية: من صوّتوا للقائمة الوطنية لم يتجاوزوا 15.6% من القاعدة الانتخابية (حوالي 10.9 مليون فقط)، بينما رفضها أكثر من 1.3 مليون مصوت رغم المشاركة.
- القاهرة تقاطع: تذيلت العاصمة القائمة بنسبة مشاركة هزيلة بلغت 12.9% فقط، مما يعني أن القلب السياسي للبلاد قد أدار ظهره للنظام.
وأشارت المنصة إلى أن المرحلتين الأولى والثانية شهدتا تراجعًا في الحماس حتى بين الفئات التي يعتمد عليها النظام عادة، مما يجعل الحديث عن "انضباط المشهد" نوعًا من الهذيان السياسي المنفصل عن الواقع.
"طبخة الأوكار الأمنية".. برلمان بلا شعب
وفي توصيف دقيق لطبيعة البرلمان القادم، أكد الحقوقي هيثم أبو خليل أن العملية لم تكن انتخابات بل "تعيينات مقنعة"، مشيرًا إلى أن نصف المقاعد حُسمت بالتزكية عبر "قائمة موحدة" طُبخت في دهاليز الأجهزة الأمنية، بينما تُركت المقاعد الفردية لصراعات بين "العناصر المستهلكة" للنظام.
وسخر أبو خليل من المشهد قائلًا: "القائمة الوحيدة فازت، طبيخ مجلس النواب قد حسم 50% من مقاعده بالتزكية بنظام القائمة والتي تمثل 284 مقعدًا تحت قائمة وحيدة تم التوافق عليها بنظام الكوتة ليلًا في أحد الأوكار الأمنية، أما الخناقة على 284 مقعد فردي فكانت بسبب عدم التنسيق في الوكر بين العناصر المستخدمة المستهلكة".
https://x.com/haythamabokhal1/status/1995832887053373870
وتكشف هذه المعطيات أن برلمان 2025 لا يمثل إلا "أوكار الأمن" التي صاغته، وأن محاولة النظام إلقاء اللوم على الشعب في التجاوزات ليست سوى هروب للأمام من حقيقة دامغة: الشعب لم يكن شريكًا في الجريمة، بل كان غائبًا بمحض إرادته، معلنًا براءته من برلمان لا يمثل إلا السلطة التي عينته.

