في واقعة أثارت غضبًا واسعًا وانتقادات حادة لأساليب الإدارة التربوية، اشتكى عدد من أولياء الأمور من قيام إدارة "معاهد الكمال الأزهرية" بمنطقة التجمع الخامس باستخدام سلاح "الحرمان من الفسحة" للضغط على الأهالي لسداد المصروفات الدراسية المتأخرة. الواقعة، التي طالت أطفالًا في عمر الزهور (بين 7 و9 سنوات)، لم تكن مجرد إجراء إداري، بل وُصفت بأنها "إهانة نفسية" وكسر لخواطر الصغار أمام زملائهم، مما يفتح ملف تحول المؤسسات التعليمية إلى كيانات جباية تفتقر إلى الحس التربوي.
"لما بابا يدفع تنزل تلعب"
بدأت تفاصيل الأزمة بالانتشار عقب منشور للمهندس رامي الجبالي، مؤسس صفحة "أطفال مفقودة"، الذي نقل استغاثات الأهالي. وفقًا للشهادات، قامت إدارة المعهد بعزل مجموعة من التلاميذ في المرحلة الابتدائية (أعمارهم 7، 8، و9 سنوات) ومنعهم من النزول إلى الفناء خلال فترة الراحة "الفسحة"، بينما سُمح لزملائهم باللعب. العبارة التي نُسبت للإدارة، "لما بابا يدفع المصاريف تبقى تلعب مع صحابك"، لخصت المنهجية التي اُتبعت في التعامل مع الأطفال، حيث تم استخدام احتياج الطفل الطبيعي للعب كأداة مساومة مالية رخيصة.
التنمر المؤسسي والإيذاء النفسي
لم يقتصر الضرر على الحرمان البدني من اللعب، بل امتد ليصبح ما وصفه أولياء الأمور بـ"التشهير" و"المعايرة". حجز الأطفال داخل الفصول أو عزلهم بدعوى أن أهاليهم لم يسددوا الأقساط يضعهم في موقف محرج أمام أقرانهم، ويخلق جرحًا نفسيًا يصعب برؤه. أشار الجبالي في منشوره إلى أن الأطفال "ناموا باكين"، وأن الأهالي اضطروا للاستدانة وبيع ممتلكاتهم بسرعة "للحفاظ على صورتهم أمام أولادهم"، مما يعكس حجم الضغط النفسي الذي مورس على الأسرة بالكامل. هذا السلوك يطرح تساؤلات جدية حول دور المؤسسات التربوية: هل هي لبناء الشخصية أم لكسر النفس؟.
تحرك رسمي خجول
في مواجهة هذه الموجة من الغضب، جاء الرد الرسمي من قطاع المعاهد الأزهرية مقتضبًا وروتينيًا. صرح مصدر مسؤول لوسائل الإعلام بأنه "سيتم بحث الشكوى للتأكد من مدى صحتها". هذا الرد التقليدي، الذي يفتقر إلى الحسم الفوري في واقعة تمس كرامة الأطفال، يعكس الفجوة بين بيروقراطية الإدارة وحرقة قلوب الآباء. وبينما تنتظر الإدارة التحقيقات، يبقى السؤال معلقًا حول غياب الرقابة الاستباقية التي تمنع حدوث مثل هذه التجاوزات من الأساس في مؤسسات تحمل اسم الأزهر الشريف.
وأخيرا فإن واقعة "معاهد الكمال" ليست مجرد حادثة فردية، بل جرس إنذار يكشف عن خلل في المنظومة القيمية لبعض المدارس الخاصة التي غلّبت الجانب التجاري على الرسالة التربوية. استخدام الأطفال كرهائن لتحصيل الديون هو سقطة أخلاقية لا تغتفر، تتطلب أكثر من مجرد "بحث الشكوى". المطلوب هو محاسبة رادعة تضمن ألا يتحول فناء المدرسة، الذي يفترض أن يكون مساحة للفرح والانطلاق، إلى ساحة للتمييز الطبقي والكسر النفسي.

