أقدمت النيابة العامة على إحالة عشرة من سكان جزيرة الوراق – بينهم محامية – إلى المحاكمة الجنائية، بعد ساعات من توقيفهم في حملة أمنية مفاجئة شهدت اشتباكات واسعة، وصفها الأهالي والمنظمات الحقوقية بأنها تمت عبر “سحل واعتقال من الشارع” بهدف ترهيب السكان ودفعهم لمغادرة منازلهم.

 

الواقعة تأتي ضمن سلسلة حلقات من التوتر بين سكان الجزيرة التاريخية الواقعة في قلب نهر النيل بمحافظة الجيزة، وبين أجهزة الدولة التي تتحرك بخطوات متسارعة نحو إخلائها بالكامل تمهيداً لتحويلها إلى مشروع استثماري ضخم.

 

تفاصيل القضية: مقاومة سلطات وعرقلة قرارات الإزالة

 

القضية المقيدة برقم 5677 لسنة 2025 جنايات الوراق، والمقيدة كلي برقم 1814 لسنة 2025 شمال الجيزة، تولّى التحقيق فيها المستشار تامر صفي الدين، المحامي العام الأول. وأسندت النيابة للمتهمين تهماً تتعلق بـ:

 

استخدام العنف مع موظفين عموميين، ومنع تنفيذ قرار الإزالة رقم 140 لسنة 2024، ووضع متاريس من السيارات لمنع قوات الأمن، والتجمع والاعتراض على تنفيذ القرار

 

وتضم قائمة المجني عليهم – وفق محاضر التحقيق – ضابطي شرطة هما هشام عبد الصمد عبد العال و محمد وهيدي صابر، إلى جانب فرد من القوة المرافقة.

 

وتشير المصادر الرسمية إلى أن قوات الأمن فوجئت بتجمّع الأهالي واستخدامهم “عصي وزجاجات فارغة”، الأمر الذي اعتبرته النيابة استخداماً للقوة لمنع تنفيذ القرار.

 

 

الدفاع: متهمون جرى الاعتداء عليهم ثم تحويلهم لجناة

 

هيئة الدفاع اعتبرت أن الاتهامات “معلّبة وجاهزة”، وتأتي في سياق الضغط على سكان الجزيرة لإجبارهم على إخلاء منازلهم.

 

وأكدت أن المقبوض عليهم كانوا من بين الذين تعرضوا للاعتداء خلال الحملة الأمنية، قبل أن يتفاجؤوا بتحويلهم إلى متهمين.

 

وسلطت هيئة الدفاع الضوء على حالة المحامية هبة فتحي عبد الباري، التي أُلقي القبض عليها رغم تواجدها لممارسة عملها القانوني ضمن فريق الدفاع عن الأهالي.

 

وشددت الهيئة على أن هبة لم تشارك في أي تجمّع أو احتجاج، معتبرة توقيفها “رسالة تهديد واضحة للمحامين الذين يعملون في قضايا الجزيرة”.

 

 

شهادات الأهالي: تهديدات مسبقة.. وحملة جاءت بعد 48 ساعة

 

يروي عدد من سكان الجزيرة أن أحد كبار القيادات الأمنية – برتبة لواء – زار المنطقة قبل أيام فقط من حملة الاعتقالات، وحاول إقناع الأهالي بإخلاء عدد من المنازل فوراً. لكن الرفض الجماعي دفعه – بحسب الشهادات – إلى إطلاق تهديدات مباشرة للمواطنين والمحامين.

 

وقال الأهالي إن اللواء اختتم زيارته بعبارة: “القوات هتيجي تنفّذ.. واللي هيعترض هيتحاسب.”

 

وبعد نحو يومين فقط، انطلقت حملة موسعة شملت توقيف عدد من المواطنين وسحل آخرين في الشوارع، وفقاً لشهادات متطابقة نشرتها منظمات حقوقية.

 

 

خلفية الأزمة: مشروع بقيمة 7 مليارات دولار وصراع يمتد لعقد كامل

 

تعود جذور الأزمة إلى عام 2015 تقريباً، حين بدأت الدولة إعداد مخطط لتحويل جزيرة الوراق – إحدى أكبر الجزر النيلية – إلى مشروع سياحي وفندقي ضخم، تقدّر تكلفته الاستثمارية بأكثر من 7 مليارات دولار.

 

وبعد إسناد إدارة الجزر النيلية إلى القوات المسلحة بصفة “المالك الرسمي”، بدأت حملات الإزالة تتوالى، ما أشعل مواجهات متكررة بين الأهالي وقوات الأمن.

 

السكان الذين يمتلك بعضهم وثائق ملكية ممتدة لقرابة قرن، يصرون على البقاء، مؤكدين أن التعويضات “غير عادلة ولا تكفي لشراء وحدات بديلة”.


لكن الصدام المستمر – الذي شهد سقوط قتيل في أحداث 2017 واعتقالات متلاحقة – جعل الجزيرة واحدة من أكثر الملفات حساسية في مصر خلال السنوات الأخيرة.