في تصعيد لافت للنبرة السياسية المعارضة، عاد السياسي المصري والمرشح الرئاسي السابق، أحمد الطنطاوي، إلى واجهة المشهد بتصريحات نارية تجاوزت سقف النقد التقليدي للسياسات الاقتصادية، لتطال جوهر بنية النظام السياسي وعلاقاته الإقليمية الحساسة.

 

الطنطاوي وجه سهامه هذه المرة نحو هدفين يُعد الاقتراب منهما من "المحرمات" في الإعلام المحلي: "مركزية السلطة" في يد قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، والدور الإقليمي لدولة الإمارات العربية المتحدة، الحليف الأوثق للنظام الحالي.

 

ضد "اختزال الدولة"

 

الطنطاوي، الذي عرف بمواقفه الصدامية تحت قبة البرلمان سابقًا، اعتبر في أحدث تصريحاته أن الأزمة السياسية في مصر تتجاوز الإجراءات التنفيذية لتصل إلى فلسفة الحكم ذاتها. ووصف الطنطاوي الوضع الحالي بأنه عملية "اختزال للدولة في أحد فروع السلطة (التنفيذية)، ثم اختزال هذه السلطة في فرد واحد"، في إشارة مباشرة للسيسي.

 

هذا التوصيف الذي طرحه الطنطاوي يحمل دلالات عميقة، إذ اعتبر أن ربط مصير أمة بحجم مصر بمصير شخص واحد يعد "إهانة لمصر وتقزيمًا لدورها". التصريح يأتي تفكيكًا للسردية التي يروجها أنصار السلطة حول "الاستقرار المرتبط بالقائد"، حيث شدد الطنطاوي على بديهية تاريخية وسياسية مفادها أنه "لا يمكن أن تضيع مصر بغياب شخص"، في دعوة صريحة لإنهاء حالة "شخصنة المؤسسات" التي تسيطر على المشهد السياسي المصري منذ سنوات.

 

ملف الإمارات.. فتح "الصندوق الأسود"

 

لم يكتفِ الطنطاوي بالنقد الداخلي، بل فتح ملفًا شائكًا يتعلق بالعلاقات الخارجية، وتحديدًا الدور الإماراتي. ففي وقت تسوق فيه الحكومة المصرية العلاقات مع أبوظبي باعتبارها طوق نجاة اقتصادي (خاصة بعد صفقات الاستحواذ ورأس الحكمة)، قدم الطنطاوي قراءة مغايرة تمامًا، واضعًا الإمارات في خانة "المهدد للأمن القومي المصري".

 

وعدد الطنطاوي جبهات هذا التهديد كما يراها، مشيرًا إلى تحركات أبوظبي في ثلاث دوائر استراتيجية تمثل العمق الحيوي لمصر:

  • السودان: حيث تتهم تقارير دولية الإمارات بدعم طرف معين في الصراع (قوات الدعم السريع)، مما يساهم في تفتيت الدولة السودانية التي تمثل الامتداد الجنوبي لمصر.
  • ليبيا: التواجد الإماراتي في الشرق الليبي وتأثيره على استقرار الحدود الغربية.
  • مياه النيل: الإشارة الأخطر كانت لاتهام الإمارات بلعب دور سلبي في ملف سد النهضة الإثيوبي، وملف أمن البحر الأحمر.

 

دلالات التوقيت

 

يرى مراقبون أن تصريحات الطنطاوي تأتي في توقيت حساس، حيث يحاول النظام المصري الموازنة بين اعتماده الاقتصادي على التدفقات المالية الخليجية (والإماراتية تحديدًا)، وبين الحفاظ على نفوذه الجيوسياسي المتآكل في محيطه الحيوي.

 

حديث الطنطاوي يكسر حاجز الصمت المفروض حول "الثمن السياسي" للدعم الاقتصادي، ويطرح تساؤلات مشروعة حول ما إذا كانت التحالفات الحالية تخدم "بقاء النظام" أم "مصالح الدولة العليا". فبينما تروج السلطة للشراكة مع أبوظبي كإنجاز تنموي، يراها الطنطاوي -وفق تصريحاته- حصارًا جيوسياسيًا يهدد الأمن المائي والحدودي لمصر.

 

بهذه التصريحات، يعيد الطنطاوي تموضع المعارضة المصرية ليس فقط كصوت يطالب بالإصلاح الديمقراطي، بل كطرف يطرح نفسه "مدافعًا عن السيادة الوطنية" في مواجهة ما يعتبره تفريطًا في الداخل واختراقًا من الخارج.