يرصد الكاتب الصحفي نظام المهداوي—في تغريدة لافتة وما تلاها من نقاشات—تحوّل الاشتباك الإعلامي بين النظامين السعودي والمصري من هامشٍ رقميّ إلى أداة مُعلنة في قلب إدارة السلطة. لم تعد المعارك تدور بين متابعين متحمّسين فحسب، بل انتقلت إلى قمّة الهرم السياسي والأمني، حيث تُسخَّر المنابر التلفزيونية والحسابات النافذة والمنصّات الموالية في عمليات ضغط وابتزاز متبادل، وتصفية حسابات فنية ورياضية وثقافية. هذا التقرير يعيد صياغة المشهد الذي يطرحه المهداوي، بوصفه نموذجًا كاريكاتوريًا لأزمة سياسية وحقوقية أعمق في البلدين.
هوية مزدوجة: من الذباب المجهول إلى الوجوه اللامعة
يشير المهداوي إلى أن الذباب الإلكتروني السعودي لم يعد مقصورًا على حسابات مجهولة أو جيوشٍ رقمية غير معلنة، بل امتدّ إلى واجهات إعلامية بارزة. تُستحضر هنا شخصية مثل تركي آل الشيخ بوصفها رمزًا لواجهة إعلامية وسياسية قادرة على تحويل الخلافات الخاصة إلى رسائل ضغط عامة تمسّ فنانين ورياضيين مصريين، كما في السجال المتداول حول المطربة آمال ماهر. يشي هذا التحول بأن الحرب الإعلامية صارت مُنهجَة ومقصودة: أدواتها ليست الشتائم العابرة، بل قرارات مُعلنة واصطفافات تُعيد تشكيل المشهد الثقافي عبر إشارات “مَن في الحظوة ومَن في الهامش”.
تصنيع الإجماع: اللجان الإلكترونية بوصفها جهازًا رديفًا
على الضفة المصرية، تتقدّم “اللجان الإلكترونية”—كما يوثّق المهداوي—بوصفها ذراعًا لتثبيت السردية الرسمية، تُدار بإيعاز أمني مباشر، وتدفع بمذيعين ووجوه معروفة إلى الواجهة مثل أحمد موسى ونشأت الديهي. غير أنّ هذا الحضور العلني لا يعني استقلالًا مهنيًا، بقدر ما يعكس تنفيذ تعليمات تعلو على الاعتبارات الصحفية. وتبلغ الحملات مداها حين تطال المعارضين والمثقفين والصحفيين، عبر تشويه السمعة ومحاصرة أي رأيٍ مغاير، لتتحول الوسائط إلى مصانع إجماع لا ساحات نقاش.
“عدو مشترك” يختصر السياسة: هستيريا مهاجمة الإخوان
يرصد المهداوي مفارقة كاشفة: وسط التلاسن السعودي–المصري، يتوافق الطرفان على هستيريا هجومية ضد جماعة الإخوان المسلمين. تتدفّق آلاف المنشورات لتصوير الجماعة كمنبع كل خلاف ومحركٍ لكل توتر. هذه الذريعة المريحة تُعيد تعريف المعركة بعيدًا عن أسئلة الديمقراطية والحرية والمحاسبة؛ إذ تُستعمل “الإخوان” كفزّاعة تُبرّر ضرب أي مطلب شعبي وتجديد سياسي، وتؤمّن للنظامين اشتراكًا وظيفيًا في سردية “الدفاع عن الوطن” بدل الاعتراف بجذور الأزمة.
إدارة التناقض: حين تصير الشفافية مناورة
بحسب المهداوي، يتحرك النظام السعودي عبر “عصابات إلكترونية” باتت جزءًا من استراتيجية الدولة في قمع المخالفين ورصدهم وإسكات أصواتهم. في المقابل، يميل النظام المصري إلى التسديد من خارج الإعلام الرسمي: تشتعل الجبهات عبر لجان وذباب إلكتروني، فيما يُحافَظ على هامش “هدوء” شكلي في المنابر الرسمية. يكشف هذا تناقضًا وظيفيًا: رغبة في التصعيد بلا توقيع، ومواجهة بلا ثمنٍ سياسي مباشر، بما يحوّل السياسة إلى لعبة كراسي وابتزاز أكثر منها ساحة شفافية ومصارحة.
كلفة التسييس: إعلام الضغط بدل إعلام العموم
يخلص المهداوي—وتتبعه هذه القراءة—إلى أن المشهد لا يُدار بمنطق “الإعلام للخدمة العامة”، بل بمنطق الإعلام كسلاح. تُستعمل المنصّات للتأديب والاصطفاف، وتُعاد صياغة المكانة الثقافية والرياضية والفنية وفق معادلات الولاء والخصومة. ومع اتساع الفراغ المدني والمؤسسي، تتحوّل الأدوات الرقمية إلى أدوات دفاع رئيسية تمتد من قاعدة المجتمع إلى قمّة السلطة، فيُستهدف كل من يدعو إلى إصلاح أو يُبدي تعاطفًا مع مطالب الحرية والعدالة.
تستعرُ المعارك بين الذباب الأخضر السعودي واللجان والمعيز السيساوية، حتى ليخيّل إليك أنّ كلَّ فريقٍ يخوض آخر فصول حربه، فلا يدّخر شتيمة ولا يوفّر طعنةً في التاريخ والتراث، ويستحضر كل ما يُوجِع خصمه ويُلهب أعصابه.
— نظام المهداوي - Nezam Mahdawi (@NezamMahdawi) November 8, 2025
ولا يقف المشهد عند ذبابٍ إلكتروني بأسماءٍ وهمية أو مجهولة الهوية،… pic.twitter.com/ZpLfTjpBIr
مرآة أزمة أعمق
تكشف الحرب الإعلامية بين مصر والسعودية—بحسب منظور نظام المهداوي—عن أزمة بنيوية تتجاوز التراشق اللفظي. فحين يصبح “العدو المشترك” بوصلة السردية، ويُستبدل الحوار العام بمنطق التشهير والتخوين، تُموَّه الصراعات الحقيقية على السلطة، وتُحوَّل المطالب السياسية إلى نزاعات وهمية تسهّل إدارة الغضب وتوزيع اللوم. هكذا يغدو الإعلام خدمة للنظامين لا خدمة للجمهور: يصفّي المعارضين، يُطارد الأصوات الناقدة، ويعيد إنتاج الاستقرار بوهم “الخطر الداهم”. وما لم يُستبدَل هذا المنحى بإعلامٍ مهني مستقل ومساحة عمومية تُحاسِب بدل أن تُحرّض، سيظل المشهد الكاريكاتوري الذي التقطه المهداوي العنوان الأدق لأزمة السياسة والحقوق في البلدين.

