في خطوة تعزز من نفوذها الاقتصادي المتنامي في المنطقة، استحوذت مجموعة موانئ أبوظبي على حصة استراتيجية في محطة الحاويات الرئيسية في سوريا، في صفقة تكشف عن أبعاد طموحات الإمارات للسيطرة على مفاصل التجارة البحرية في الشرق الأوسط.

ففي الخامس من نوفمبر 2025، أعلنت المجموعة عن توقيع اتفاقية للاستحواذ على حصة 20% في شركة محطة حاويات اللاذقية الدولية (LICT)، مقابل 81 مليون درهم إماراتي (حوالي 22 مليون دولار).
لا تمثل هذه الصفقة مجرد استثمار تجاري، بل هي حلقة في سلسلة طويلة من التحركات المدروسة التي تهدف إلى ترسيخ الهيمنة الإماراتية على الممرات التجارية الحيوية، مستغلةً حالة الضعف الاقتصادي والسياسي التي تعاني منها دول عربية عدة، وعلى رأسها سوريا التي مزقتها الحرب.
 

تفاصيل الصفقة والأهداف المعلنة
تم إبرام الاتفاقية ك مشروع مشترك مع مجموعة الشحن والخدمات اللوجستية الفرنسية العملاقة "سي إم إيه سي جي إم" (CMA CGM)، التي تتولى تشغيل المحطة منذ عام 2009 بموجب اتفاقية امتياز تمتد لثلاثين عامًا.
وبموجب الشراكة الجديدة، تدخل موانئ أبوظبي كشريك أقلية بهدف معلن هو "تحديث البنية التحتية للمحطة، وترقية أنظمتها الرقمية، ورفع كفاءتها التشغيلية".

تتضمن الخطة الطموحة زيادة القدرة الاستيعابية للمحطة من 250 ألف حاوية نمطية حاليًا إلى 625 ألف حاوية بحلول نهاية عام 2026.
ورغم أن الأهداف المعلنة تركز على الجانب التطويري وإعادة إحياء دور اللاذقية كبوابة تجارية حيوية لسوريا وشرق المتوسط، إلا أن الصفقة تحمل في طياتها أبعادًا استراتيجية تتجاوز مجرد تحديث الميناء.
 

اللاذقية: بوابة النفوذ الجديدة في المشرق العربي
تكمن الأهمية الاستراتيجية للصفقة في أن محطة حاويات اللاذقية الدولية ليست مجرد ميناء عادي، بل هي البوابة البحرية الرئيسية لسوريا، حيث تتولى مناولة أكثر من 95% من إجمالي حركة الحاويات في البلاد.

هذا يعني أن السيطرة الجزئية على هذا الشريان الحيوي تمنح الإمارات قدرة كبيرة على التأثير في مسارات التجارة وعمليات إعادة الإعمار المستقبلية في سوريا.
فمن خلال هذا الموطئ قدم، تستطيع أبوظبي أن تلعب دورًا محوريًا في تحديد وجهة البضائع والمنتجات الزراعية والصناعية التي تدخل وتخرج من البلاد، مما يخلق حالة من التبعية الاقتصادية ويمنحها نفوذًا سياسيًا كبيرًا في دمشق.
 

استراتيجية "الهيمنة الناعمة" عبر الموانئ
تندرج صفقة اللاذقية ضمن استراتيجية إماراتية أوسع نطاقًا لاستخدام قوتها المالية وخبرتها اللوجستية كأداة لتحقيق أهداف سياستها الخارجية.
فقد نجحت شركات الموانئ الإماراتية العملاقة، مثل "موانئ أبوظبي" و"موانئ دبي العالمية"، في بناء شبكة عالمية من الموانئ والمحطات البحرية.
وخلال عام 2024 وحده، بلغت قيمة الاستثمارات التوسعية لهذه الشركات حوالي 11.84 مليار درهم في أكثر من 12 دولة، من بينها مصر والسعودية والسنغال والهند وإندونيسيا.

لم تعد هذه الاستثمارات مجرد عمليات تجارية، بل أصبحت وسيلة لفرض "هيمنة ناعمة"، حيث تتيح السيطرة على البنية التحتية التجارية للدول القدرة على التأثير في قراراتها الاقتصادية والسياسية، وتجعل من الإمارات مركزًا إقليميًا لا يمكن تجاوزه في حركة التجارة والخدمات اللوجستية، رابطةً اقتصادات المنطقة بمصالحها الاستراتيجية.
 

التداعيات الإقليمية وسباق النفوذ
تأتي هذه الخطوة في وقت يتصاعد فيه التنافس الإقليمي على النفوذ، خاصة مع المملكة العربية السعودية التي تطمح بدورها إلى أن تصبح مركزًا لوجستيًا عالميًا.

إن استحواذ الإمارات على حصص في موانئ استراتيجية مثل سفاجا في مصر والآن اللاذقية في سوريا، يعكس سباقًا محتدمًا للسيطرة على الممرات التجارية الرئيسية في البحر الأحمر وشرق المتوسط.
وفيما تبدو هذه الاستثمارات كفرص تنموية للدول المضيفة، إلا أنها في الواقع ترسخ واقعًا جديدًا من التبعية، حيث تصبح اقتصادات دول عربية منهكة رهينة الأجندات السياسية والاقتصادية لأبوظبي.

وهكذا، تستمر حلقة الهيمنة الخارجية على أنقاض الشعوب العربية، ولكن هذه المرة بأدوات اقتصادية وتحت غطاء التطوير والتحديث.