في خطوة تنذر بتصعيد خطير وتكشف عن مدى تآكل السيادة المصرية على حدودها الشرقية، أعلنت إسرائيل من جانب واحد تحويل المنطقة الحدودية مع مصر إلى منطقة عسكرية مغلقة، مع تعديل تعليمات إطلاق النار بما يسمح باستهداف أي شخص يقترب من الحدود.

هذا القرار، الذي وصفه وزير الدفاع الإسرائيلي بأنه "إعلان حرب"، لم يأتِ في فراغ، بل يمثل تتويجاً لفشل أمني مصري ذريع في السيطرة على حدوده، ويكشف عن حالة الضعف التي وصلت إليها القاهرة في تعاملها مع تل أبيب، حيث يبدو أن النظام المصري قد تنازل فعلياً عن دوره في حماية أمنه القومي، تاركاً لإسرائيل حرية التصرف كقوة وحيدة في المنطقة، حتى لو كان ذلك على حساب دماء المصريين وسيادة أراضيهم.
 

تفاصيل القرار الإسرائيلي العدائي
جاء الإعلان الإسرائيلي الرسمي ليكشف عن عمق الأزمة، حيث لم تتردد تل أبيب في استخدام لغة عدائية مباشرة تعكس استهانتها بالجانب المصري. النص الحرفي للقرار، كما نقلته وسائل الإعلام، يرسم صورة قاتمة للوضع على الحدود، ويؤكد أن إسرائيل لم تعد تعتمد على أي دور مصري في تأمين المنطقة.

بدعوى مواجهة عمليات التهريب، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي “يسرائيل كاتس” أن المنطقة الحدودية مع مصر أصبحت منطقة عسكرية. جاء ذلك خلال اجتماع عقده مساء أمس مع القيادات العسكرية، حيث ناقش خلاله “خطر الطائرات المسيّرة” على الحدود الإسرائيلية المصرية، وأصدر تعليمات للجيش الإسرائيلي بتحويل المنطقة المحاذية للحدود إلى “منطقة عسكرية مغلقة”.

كما وجّه وزير الدفاع بتعديل تعليمات فتح النار لضرب أي جهة غير مصرح لها بالدخول إلى المنطقة المحظورة لاستهداف مشغلي الطائرات المسيّرة والمهربين. وقال “كاتس”: “نحن نعلن الحرب وكل من يتسلل إلى أراضينا سيستهدف”. وتابع: “مثلما خلقنا ردعا أمام حزب الله في لبنان حول القصف الصاروخيّ والمسيرات فعلينا أيضا أن نخلق ردعا هنا (سيناء) وأن نوضح لمن يعمل في تهريب الأسلحة أن قواعد اللعبة تغيّرت”.

وجاء هذا القرار في أعقاب عمليات تهريب أسلحة واسعة النطاق استمرت لأشهر، حسب ما ذكرته وسائل إعلام عبرية. وفي تصريح له أمس، قال كاتس “إن إسرائيل لن تتوقف حتى إتمام نزع سلاح حماس من قطاع غزة”. مشددا أن “السياسة الإسرائيلية واضحة في القطاع”.

إن هذه الكلمات ليست مجرد تصريحات سياسية، بل هي بمثابة إعلان إسرائيلي بفرض واقع أمني جديد، تتصرف فيه كأن سيناء أرض بلا سيادة، وتتجاوز فيه كل الأعراف الدبلوماسية والاتفاقيات الموقعة. إن مقارنة الوضع في سيناء بالوضع على الحدود اللبنانية مع حزب الله هو إهانة مباشرة للدولة المصرية وجيشها، حيث يضع كياناً مسلحاً على قدم المساواة مع دولة يفترض أنها حليف استراتيجي تربطها به معاهدة سلام.
 

شهادة إسرائيلية بفشل الأمن المصري
المبرر الذي ساقته إسرائيل لقرارها، وهو "عمليات تهريب أسلحة واسعة النطاق استمرت لأشهر"، هو في جوهره شهادة إدانة رسمية للأجهزة الأمنية والعسكرية المصرية. فكيف يمكن لعمليات تهريب بهذا الحجم أن تستمر لأشهر على حدود يفترض أنها من الأكثر تحصيناً ومراقبة في العالم، خاصة في ظل الوجود العسكري المصري المكثف في سيناء تحت ذريعة "الحرب على الإرهاب"؟ إن هذا الاعتراف الإسرائيلي يطرح تساؤلات مريرة حول كفاءة الجيش والشرطة في سيناء، أو ما هو أسوأ، حول طبيعة الدور الذي يلعبونه هناك.

فشل السيسي في ضبط الحدود المصرية هو الذي منح إسرائيل الذريعة الذهبية لتوسيع نفوذها العسكري وفرض أجندتها. وبدلاً من أن تقوم مصر بدورها الطبيعي في حماية أمنها القومي ومنع أي عمليات تهدد جيرانها، تركت الساحة فارغة لتل أبيب كي تملأها، وهو ما يضعف موقف مصر التفاوضي ويجعلها تبدو كدولة عاجزة عن إدارة أراضيها. هذا الفشل لا يقتصر على الجانب الأمني، بل هو فشل سياسي للنظام الذي طالما تغنى بقدرته على حماية "أمن مصر القومي"، بينما الواقع يثبت أن هذا الأمن أصبح في مهب الريح.
 

صمت القاهرة المريب: تواطؤ أم عجز؟
أمام هذا "الإعلان الحربي" الإسرائيلي، كان الرد من القاهرة هو الصمت المطبق. لم يصدر عن وزارة الخارجية المصرية أو رئاسة الجمهورية أو القوات المسلحة أي بيان استنكار أو حتى توضيح. هذا الصمت المريب لا يمكن تفسيره إلا في إطار احتمالين، كلاهما أسوأ من الآخر: إما أنه عجز تام عن مواجهة الغطرسة الإسرائيلية خوفاً من إغضاب الحليف القوي، أو أنه تواطؤ وتنسيق مسبق مع الجانب الإسرائيلي على حساب السيادة المصرية.

في كلتا الحالتين، فإن الحكومة المصرية تظهر بمظهر من فرّط في كرامة الدولة وسيادتها. إن عدم الرد على تصريحات تهدد باستهداف "كل من يتسلل"، وهو مصطلح فضفاض قد يشمل مدنيين أبرياء من سكان سيناء أو حتى أفراد أمن مصريين، هو تخلٍ واضح عن مسؤولية الدولة في حماية مواطنيها. لقد تحولت العلاقة مع إسرائيل من علاقة ندية بين دولتين إلى علاقة تابع بمتبوع، حيث تملي تل أبيب شروطها وقواعدها، وعلى القاهرة أن تلتزم الصمت والقبول.
 

السيادة المصرية في خطر
إن القرار الإسرائيلي الأخير ليس مجرد إجراء أمني عابر، بل هو حلقة جديدة في مسلسل طويل من تآكل السيادة المصرية تحت قيادة النظام الحالي. إنه يكشف عن حقيقة مرة، وهي أن الأمن القومي المصري لم يعد أولوية للحكومة بقدر ما هي أولوية الحفاظ على رضا الحلفاء الإقليميين والدوليين، حتى لو كان الثمن هو التفريط في الأرض والكرامة.
إن تحويل الحدود المصرية إلى ساحة مستباحة للجيش الإسرائيلي، تحت أنظار وصمت النظام المصري، هو وصمة عار ستظل تلاحقه، ويطرح سؤالاً جوهرياً على كل مصري: إلى متى سيستمر هذا التفريط في مقدرات الوطن؟