واقعة القبض على الداعية السلفي، الشيخ مصطفى العدوي تكشف في ثناياها عن ازدواجية المعايير في أوساط المثقفين في مصر، الذين ما لبثوا يدافعون عن حرية الرأي، ويرفعون الشعارات التي تؤمن بحق الاختلاف، لكنهم عمليًا يسقطون في أول اختبار حقيقي يواجهونه.
فالشيخ السبعيني الذي اعتقل لأنه تجرأ وانتقد تمجيد فرعون لم يجد أحدًا من هؤلاء الذين صدعونا في أحاديثهم ومناقشاتهم وكتاباتهم يتضامن معه بالكلمة في حرية إبداء الرأي، وينتفض لاعتقاله على هذه الخلفية، لا لشيء إلا لسمته ومظهره الإسلامي، وهذه هي لب القضية ومحور الإشكالية.
بل كان الأدهى من ذلك أن هناك من دعا وأيد صراحة القبض عليه، لأنه صدم المصريين في ميراثهم الحضاري على حد تعبيره، ذلك أنه انتقد الاحتفاء الرسمي بافتتاح المتحف المصري الكبير، واعتبر أن الاحتفاء بالحضارة الفرعونية "تمجيد لأصنام وتماثيل"، داعيًا المسلمين إلى الحذر من "الانجراف العاطفي خلف إرث الفراعنة"، على حد تعبيره.
ترحيب باعتقال العدوي
ومن هؤلاء الكاتب الصحفي أحمد الدريني، الذي اعتبر في منشور له عبر صفحته على موقع "فيسبوك"، أن القبض على العدوي "خطوة (سليمة) من وجهة نظري لأنه لم يختلف مع المتحف على أرضية إنشائية ولا لخلفية تاريخية ولا لوجهة نظر علمية آثارية، بل على أرضية دينية يترتب عليها ما يترتب".
وأضاف: "فالمسألة حتى ليست وجهة نظر دينية، فهذا التخليط والتشويش الذي قام به الشيخ العدوي وآخرون لا يمت للدين بصلة (ولا للصنعة الشريعية، بضوابطها المتعارف عليها، في إنتاج حكم فقهي)".
هذه الخشونة اللفظية في النظر إلى آراء الشيخ والتحريض عليه تعكس في واقع الأمر حالة التربص تجاه ما هو كل إسلامي في مصر، فلا تمر شاردة أو واردة دون أن تجد من يسن قلمه تحريضًا وتوبيخًا، تحت دعاوى الظلامية والإرهاب، وباسم الدفاع عن التنوير والتنويريين.
شطحات نوال السعداوي
ومن أسف أن التاريخ شاهد بما هو أقسى من ذلك في آراء المثقفين العلمانيين في مصر، وقبل سنوات قالت الكاتبة الراحلة نوال السعداوي، إن الحج بصورته الحالية "عادة وثنية"، وإنه بإمكانها الحج من شرفة مكتبها.. وترى أن صلاتها هى كُتبها.. وأن سعيها للعدل والحرية هو تقربها من الله.. وترى أنه لا يجب التقيد بالكتب السماوية لأنها ثابتة، وإذا تعارضت نصوصها مع مصلحة الشعب، فيجب تغليب مصلحة الشعب، وفق زعمها.
كما طالبت بـ "تقنين الدعارة" ووضعها تحت إشراف الحكومة بشكل قانوني يسمح للعاهرات بممارسة الفحشاء فى العلن، بدلاً من ممارستها فى الخفاء، مع (الإجهاض)، مدعية أن كل الأديان قد أحلته، وأنه قد يصبح علاجًا لكثير من المشكلات.
على الرغم من ذلك وأكثر، لم يتم القبض على السعداوي، ولم توجه لها تهمة ازدراء الأديان، وغيرها كثير ممن اعتادوا أن يصدموا المصريين ويصطدموا معهم وعاشوا طلقاء آمنين مطمئنين من كل ملاحقة أو اتهام.
ادعاءات طه حسين
ما حصل مع الشيخ العدوي دفع الكاتب جمال سلطان إلى استدعاء واقعة تاريخية كان طرفها الأديب الشهير الدكتور طه حسين الذي ادعى أن كلاً النبيين إبراهيم وإسماعيل- عليهما السلام- لا وجود لهما تاريخيًا، على الرغم من أن ذلك يتعارض صراحة مع القرآن، مع ذلك وجد من يتضامن معه ويدعمه حين أحيل إلى المحاكمة.
وكتب عبر حسابه في "فيسبوك": "قبل مائة عام، 1926، نشر طه حسين دراسة، صدم فيها الأمة كلها في صلب عقيدتها، أنكر فيها صحة وجود إبراهيم وإسماعيل أنبياء الله تاريخًيا، رغم ورود ذكرهم في القرآن، فتم التحقيق معه، فتضامن مع "حقه في التعبير" المثقفون المصريون والعرب من يومها وما زالوا حتى اليوم".
وأضاف: "وبعد مائة عام 2025، نشر الشيخ مصطفى العدوي رأيا أنكر فيه صحة ما يتم الترويج له عن فرعون وعدله ودينه وإنسانيته، فتم اعتقاله والتحقيق معه، ولم يتضامن مثقف واحد مع "حقه في التعبير"!".

