في واحدة من أخطر التحذيرات منذ بدء أزمة سد النهضة، كشف وزير الموارد المائية والري المصري الدكتور هاني سويلم أن إثيوبيا أطلقت فيضانًا صناعيًا من السد تسبّب في إغراق مناطق واسعة داخل السودان وتفاقم الأضرار في القرى والمدن الواقعة على ضفاف النيل الأزرق.
تصريح الوزير أعاد الملف إلى الواجهة من جديد، وطرح سؤالًا مُلحًا: أين يقف عبدالفتاح السيسي من هذا الخطر الوجودي؟
فيضان من صنع الإنسان
وفقًا لتصريحات سويلم التي تداولتها وسائل إعلام رسمية، فإن التصرف الأحادي من الجانب الإثيوبي «تجاوز كل الأعراف الدولية» بعد أن قررت أديس أبابا فتح بوابات السد بشكل مفاجئ دون إخطار دول المصب، مما أدى إلى ارتفاع منسوب المياه بشكل حاد في مناطق عدة داخل السودان.
وأكد سويلم أن هذا السلوك يمثل «فيضانًا صناعيًا متعمّدًا»، وليس ظاهرة طبيعية، وأن تدفق المياه بتلك الكميات المفاجئة «يُعرّض حياة الآلاف للخطر ويهدد البنية التحتية ومشروعات الري والزراعة».
بينما مصر مقبلة على كارثة السيسي في واد اخر
لكن بينما كان وزير الري يطلق تحذيرات تُنذر بالخطر، كان عبد الفتاح السيسي مشغولًا بالاستعداد لاحتفالات المتاحف والمشروعات التجميلية.
في الوقت الذي تغرق فيه قرى سودانية بالمياه القادمة من سد النهضة، يتحدث السيسي أمام الكاميرات عن “المتحف هدية مصر للعالم”، وكأن حياة المصريين ومصير نيلهم ليست أولوية.
هذا التناقض الصارخ بين كارثة تهد المصريين وصمت السيسي وتجاهله لهذا الملف الأخطر يثير تساؤلات حول مدى إدراك السلطة لخطورة الملف، وهل يُدار فعلاً كقضية “حياة أو موت” كما قال السيسي نفسه قبل سنوات، أم صار ملفًا مؤجلًا لصالح اللقطات الدعائية والاحتفالات البراقة؟
خطر مباشر على مصر
يرى خبراء المياه أن الفيضان الصناعي الأخير ليس مجرد خطر على السودان فحسب، بل جرس إنذار شديد لمصر، لأن استمرار التصرفات الأحادية يعني أن إثيوبيا باتت تتحكم فعليًا في تدفق المياه نحو السد العالي.
ومع اكتمال التعبئة الرابعة وتشغيل التوربينات بشكل كامل، تصبح القاهرة رهينة لقرارات أديس أبابا.
الخبير الهيدرولوجي محمد حافظ حذر من أن أي تصريف غير منسّق أو فتح مفاجئ للبوابات قد يؤدي إلى تغيّر مفاجئ في منسوب النيل داخل مصر نفسها خلال السنوات المقبلة، مما يهدد الأمن الغذائي والزراعي ويُربك إدارة السد العالي.
تجاهل رسمي وغضب شعبي
ورغم هذه التحذيرات، لم يُعقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن القومي، ولم يصدر بيان من رئاسة الجمهورية، وكأن الأمر لا يعني الدولة المصرية.
وسائل الإعلام الرسمية تعاملت مع الأزمة في الهامش، بينما قال بعض الخبراء “النيل بيغرق السودان بسبب إثيوبيا، والسيسي بيحتفل بالمتحف... هو ده ترتيب الأولويات؟”
آخرون اعتبروا أن تجاهل الكارثة جزء من سياسة “الإنكار الإعلامي” التي تُحاول إظهار أن الأمور تحت السيطرة، بينما الواقع عكس ذلك.
معركة البقاء
الحقيقة أن سد النهضة لم يعد مجرد مشروع إثيوبي، بل أصبح رمزًا لغياب الإرادة المصرية في الدفاع عن حقها التاريخي في النيل.
في كل مرة تُقدِم فيها إثيوبيا على خطوة أحادية، تكتفي القاهرة ببيانات “الرفض والإدانة”، دون إجراءات عملية أو تحرك قانوني قوي.
ويبدو أن النظام الحالي يفضّل الهدوء الإعلامي على المواجهة الدبلوماسية، في وقتٍ يصف فيه المصريون النيل بأنه “شريان الحياة”.
فإذا كان وزير الري يُحذّر من “فيضان صناعي”، فالمطلوب من القيادة السياسية تحرك وطني حقيقي لا أن تنشغل بفعاليات تلميع الصورة أمام العالم.
وفي النهاية فملف سد النهضة ليس مجرد “ملف مائي”، بل قضية سيادة وطنية ووجودية، والسكوت على تصرفات إثيوبيا الأحادية، في وقتٍ يتزايد فيه خطر الفيضان الصناعي والجفاف القادم، هو تقصير سياسي وأخلاقي لا يمكن تبريره بالهدوء الدبلوماسي أو انتظار وساطات بلا نهاية.

