تتجه العلاقات بين الولايات المتحدة وفنزويلا نحو مزيد من التوتر، بعد نشر واشنطن أكبر حاملة طائرات في العالم “يو إس إس جيرالد آر فورد” في منطقة الكاريبي، ضمن عملية عسكرية قالت إنها تستهدف مهربي المخدرات. الخطوة التي أعقبها تنفيذ ضربات جوية ضد قوارب يُعتقد أنها تابعة لمنظمة “ترين دي أراغوا”، أثارت غضب الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو الذي اتهم واشنطن بمحاولة “فبركة حرب جديدة” ضد بلاده، في وقت حذر فيه محللون من أن الهدف الحقيقي للتحركات الأمريكية هو إسقاط النظام الفنزويلي لا مكافحة الجريمة المنظمة.
تصاعد التوتر بين واشنطن وكاراكاس
بدأت بوادر الأزمة حين أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية عن تنفيذ عمليات جوية في البحر الكاريبي ضد قوارب قالت إنها تابعة لشبكات تهريب مخدرات تعمل انطلاقًا من فنزويلا. وأسفرت إحدى الضربات عن مقتل ستة أشخاص، ما أثار تساؤلات حول دقة المعلومات الأمريكية ودوافعها الحقيقية.
وعقب ذلك، أمر وزير الدفاع الأمريكي بيت هيجسث بنشر حاملة الطائرات “يو إس إس جيرالد آر فورد” لدعم “العمليات ضد الجريمة المنظمة”، بحسب التصريحات الرسمية. لكن في المقابل، رأت كاراكاس في الخطوة تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي وتدخلاً سافرًا في شؤونها الداخلية.
مادورو: “حرب مفبركة لإسقاط النظام”
في خطاب متلفز، وصف الرئيس نيكولاس مادورو نشر الحاملة الأمريكية بأنه “استعراض قوة يستهدف إشعال حرب جديدة في أمريكا اللاتينية”. وأضاف أن “الولايات المتحدة تحاول اختلاق مبررات لضرب فنزويلا كما فعلت في دول أخرى، تحت ذريعة محاربة المخدرات أو حماية الأمن الإقليمي”.
وأكد مادورو أن بلاده “ستواجه أي عدوان بكل الوسائل الممكنة”، مشيرًا إلى أن الشعب الفنزويلي “لن يسمح بتحويل الكاريبي إلى ساحة مواجهة بين القوى الكبرى”.
واشنطن: مكافحة الجريمة أم ضغط سياسي؟
في المقابل، أكد البنتاغون أن التحرك العسكري يهدف إلى “تعزيز الجهود الدولية ضد المنظمات الإجرامية”، نافياً أي نية للتصعيد مع فنزويلا. غير أن محللين دوليين اعتبروا أن حجم القوة المرسلة، ونوعية الأسلحة المحمولة على متن الحاملة، يعكسان نية أبعد من مجرد مطاردة المهربين.
ويرى خبراء أن الولايات المتحدة تحاول استخدام ذريعة مكافحة المخدرات للضغط على نظام مادورو، الذي تواجهه واشنطن بعقوبات اقتصادية منذ أعوام، بهدف دفعه إلى تقديم تنازلات سياسية أو مغادرة السلطة.
مواقف إقليمية وتحذيرات من الانزلاق
أثارت التحركات الأمريكية قلقاً واسعاً في أمريكا اللاتينية، إذ حذّرت حكومات عدة من مغبة عسكرة البحر الكاريبي، واعتبرت أن أي مواجهة بين واشنطن وكاراكاس قد تزعزع استقرار المنطقة بأكملها.
كما دعت منظمات إقليمية إلى احترام سيادة الدول وعدم استخدام القوة العسكرية لحل النزاعات السياسية. فيما أعلنت كوبا وبوليفيا دعمهما الكامل لفنزويلا، مؤكّدتين أن “التحركات الأمريكية تشكل تهديداً مباشراً للسلم والأمن الدوليين”.
اللعبة تتجاوز مكافحة المخدرات
يرى محللون أن ما يجري لا يقتصر على مواجهة عصابات تهريب، بل يعكس صراعاً سياسياً على النفوذ في القارة اللاتينية. فالولايات المتحدة تسعى إلى تطويق حلفاء روسيا والصين في المنطقة، في وقت تشهد فيه واشنطن توتراً متزايداً مع قوى الجنوب العالمي.
ويؤكد بعض الخبراء أن واشنطن تعتبر نظام مادورو عقبة أمام تمددها الاقتصادي والسياسي في أمريكا الجنوبية، وأن التحركات العسكرية الأخيرة تهدف إلى اختبار قدرة كاراكاس على الصمود وإرسال رسالة ردع إلى الدول الداعمة لها.
مستقبل العلاقات بين البلدين
مع استمرار الانتشار العسكري الأمريكي، واستنفار فنزويلا لقواتها الدفاعية، تبدو احتمالات التصعيد واردة أكثر من أي وقت مضى. وقد تؤدي أي مواجهة محدودة أو خطأ ميداني إلى اشتباك واسع يهدد استقرار المنطقة.
وفي المقابل، يحذر مراقبون من أن انزلاق الكاريبي إلى مواجهة مفتوحة سيزيد عزلة واشنطن دبلوماسياً، ويمنح مادورو ورقة دعم داخلية باعتباره “مدافعاً عن السيادة الوطنية”.
وهكذا، يبدو المشهد مفتوحاً على كل الاحتمالات بين واشنطن وكاراكاس، في مواجهة جديدة تُخفي وراءها صراع إرادات بين القوة العظمى والنظام الفنزويلي الذي يرفض الخضوع للضغوط الخارجية.

