مع تزايد المخاوف الطبية بشأن الألم المزمن الذي يعاني منه مستخدمو الهواتف الذكية الشباب، والذي يطلق عليه "رقبة التكنولوجيا المنحنية"، يدعو الخبراء إلى اتخاذ تدابير جديدة لمواجهة هذه الظاهرة، التي يحذرون من أنها قد تؤدي إلى مشاكل مبكرة في العمود الفقري.
تأتي التحذيرات في الوقت الذي تشير فيه أدلة علمية متزايدة إلى وجود ارتباط بين الاستخدام المفرط أو الإدماني للهواتف الذكية والإجهاد البدني والعضلي الهيكلي، مثل رقبة التكنولوجيا- الناجمة عن الميل المستمر للأمام لفترات طويلة عند استخدام الأجهزة الإلكترونية، مثل الهواتف، الأجهزة اللوحية، وأجهزة الكمبيوتر، مما يؤدي إلى مشاكل في العمود الفقري العنقي والألم.
وضعية الرأس إلى الأمام
وأظهرت نتائج جديدة نشرت هذا الشهر في "المجلة الدولية للعلوم البيئية"، أن "وضعية الرأس إلى الأمام"، فضلاً عن مشاكل حركة الكتف، ترتبط "بشكل كبير" بالاستخدام المفرط للهواتف الذكية بين الشباب في سن الجامعة في الهند.
وضعية الرأس إلى الأمام هي حالة شائعة تتقدم فيها الرأس إلى الأمام بعيدًا عن المحاذاة الطبيعية مع الكتفين. يُسبب ثبات الرأس في هذه الوضعية لفترات طويلة ضغطًا كبيرًا على العمود الفقري، مما يُسبب أحيانًا فرط تمدد الجزء العلوي من العمود الفقري العنقي وثني الجزء السفلي منه.
ترتبط أيضًا اضطرابات الجهاز العضلي الهيكلي الأخرى مثل آلام الرقبة والصداع وخلل المضغ (مشاكل في مضغ الطعام) بهذه الحالة.
رقبة التقنية
ووصفت افتتاحية نُشرت في 10 أكتوبر في مجلة العمود الفقري الأوروبية، كتبها باحثون في المركز الطبي بجامعة راش في شيكاغو، "رقبة التكنولوجيا" بأنها "وباء صامت يعيد تشكيل العمود الفقري لدينا".
وتوصلوا إلى أن الأطفال قد يكونون الآن أكثر عرضة لخطر انحلال القرص العنقي، وأن كل من الصغار والبالغين قد يكونون أكثر عرضة للإصابة بالحالات ذات الصلة مثل فتق القرص، وهشاشة العظام، وتضيق العمود الفقري، واعتلال النخاع العنقي، واعتلال الجذور العصبية، والانزلاق الفقري بسبب استخدام شاشات الهواتف الذكية لعدة ساعات.
وأشار الباحثون إلى أن آلام الرقبة تصنف بالفعل في دراسات العبء العالمي للأمراض باعتبارها السبب الرابع الرئيس لسنوات العيش مع الإعاقة، وحذروا من أنه نظرا للوتيرة المتسارعة لاستخدام الهواتف الذكية "بشكل إدماني" ــ وخاصة بين المراهقين والشباب ــ فإن الوضع سوف يزداد سوءًا بدون تدخل واسع النطاق.
وحذر الباحثون من أنه "إذا لم يتم اتخاذ تدابير للتخفيف من ظاهرة "رقبة التكنولوجيا" هذه، فسنرى في نهاية المطاف تطور التنكس الشوكي المبكر، وسوء المحاذاة وتطور الألم الذي قد يصيب الأفراد في جميع مراحل الحياة ويؤدي إلى عواقب اجتماعية واقتصادية تؤثر على كل السكان على مستوى العالم"، وحثوا على اتخاذ تدابير تصحيحية لتجنب ذلك.
آلام الرقبة
واتفق خبراء آخرون عمومًا على أن مشكلة "رقبة التكنولوجيا" مشكلة متفاقمة تُسبب بالفعل عواقب وخيمة.
وقال الدكتور جيمس هاروب، جراح الأعصاب والباحث وأستاذ جراحة الأعصاب في جامعة توماس جيفرسون في فيلادلفيا، لوكالة "يونايتد برس إنترناشونال"، إنه يتفق مع الرأي القائل بأنه بشكل عام "سيكون هناك ارتفاع في حالات الأشخاص الذين يعانون من آلام الرقبة" بسبب زيادة الضغوط على الجهاز العضلي الهيكلي بسبب استخدام الهواتف الذكية.
وقال إن هذا يعود إلى التقدم التكنولوجي الذي يسبق التطور الجسدي البشري. وأشار إلى أن الأجسام تطورت في هذه الحالة بحيث إن وضعية الرأس للأمام بمقدار بوصة واحدة تُقدّر بزيادة قدرها 10 أرطال في الوزن (4.54 كيلوجرام)، وهو ما يجب أن يدعمه العمود الفقري العنقي والعضلات المحيطة به.
عند إمالة العمود الفقري للأمام بزاوية 15 درجة، تزداد القوة المؤثرة على العمود الفقري إلى 27 رطلاً (12 كيلو جرام)، في حين أن إمالة العمود الفقري بزاوية 60 درجة تعادل ما يصل إلى 60 رطلاً (27 كيلو جرام) من القوة.
مع الانحناء للأمام، يزداد الضغط على عضلات الرقبة الخلفية أثناء استخدام الهاتف المحمول، كما قال هاروب. وأضاف: "لقد خلق التقدم والتحسينات التكنولوجية اتجاهًا جديدًا لنا جميعًا، وهو التحديق في أحضاننا واستخدام هواتفنا المحمولة. وبالتالي، لم تتكيف أعناقنا مع هذه الاحتياجات الجديدة بشكل عام".
لكنه أشار أيضًا إلى وجود اختلافات كبيرة بين الأفراد، فبعضهم يمتلك عمودًا فقريًا يمتص ضغط وضعية الرأس للأمام بسهولة أكبر. وأعرب عن ثقته في أن تنجح الجهود العلمية في تخفيف الضرر.
وقال: "هناك العديد من الجمعيات والمنظمات التي تُنبه الناس إلى هذا الخطر المُحتمل، وتسعى إلى تقوية عضلات الرقبة الخلفية لديهم. إضافةً إلى ذلك، فإن تدريب الشباب على عضلات الرقبة في سن مبكرة قد يكون له أثر إيجابي، إذ يُساهم في بناء هذه العضلات مستقبلًا".
خطر كبير على الأطفال
وقالت ليندسي أوروز، مديرة الأبحاث بالمؤسسة الوطنية لصحة العمود الفقري بالولايات المتحدة، إن الأطفال معرضون بشكل خاص لخطر الإصابة بمشكلة الرقبة الناتجة عن استخدام الأجهزة التقنية.
وأضافت: "الأطفال غير ناضجين هيكليًا - فهم ما زالوا في مرحلة النمو - لذا فهم الأكثر عرضة للإصابة بقضايا المحاذاة أثناء نموهم".
وتنصح المؤسسة للتغلب على هذه المشكلة بالنظر إلى الأجهزة بشكل متكرر، وتعيين مؤقتات للتذكير بالتحرك بانتظام؛ إبقاء الرأس فوق عمودك الفقري وإمساك الأجهزة عند مستوى العين؛ وممارسة تمارين تقوية الرقبة والظهر والجذع بانتظام.

