في تطور سياسي خطير يعيد مشهد ما قبل ثورة يناير إلى الأذهان، أصدر عدد كبير من الأحزاب السياسية والشخصيات العامة والنواب السابقين والنشطاء بيانًا مشتركًا تحت عنوان "ضد الإقصاء.. وضد قتل السياسة"، أدانوا فيه ما وصفوه بـ"الاستبعاد المتعمد والممنهج" لمرشحين معارضين ومستقلين من سباق انتخابات مجلس النواب 2025، مؤكدين أن ما يجري هو عدوان على فكرة الديمقراطية وتجريف للحياة السياسية، ومحاولة حكومية واضحة لتصفية الساحة الانتخابية وتحويل البرلمان إلى أداة خاضعة لإرادة السلطة التنفيذية وحدها.

 

إقصاء ممنهج ومعايير مزدوجة

 

البيان الذي وقّعت عليه أحزاب معارضة وشخصيات بارزة من مختلف التيارات، جاء ردًا على قرارات اللجنة الوطنية للانتخابات باستبعاد عدد من المرشحين، من بينهم هيثم الحريري ومحمد عبد الحليم عن حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، وأحمد الشربيني عن حزب الدستور، ومحمد أبو الديار عن تيار الأمل (تحت التأسيس)، وغيرهم.

 

وأكد الموقعون أن هذه الممارسات "تكشف عن سياسة إقصاء متعمدة تهدف إلى خلق برلمان بلا معارضة وصوت واحد يردّد ما تريده السلطة"، محذرين من أن استمرار هذا النهج "يهدد مدنية الدولة ومستقبلها الديمقراطي".

 

وأشار البيان إلى أن الذرائع المستخدمة في استبعاد المرشحين، مثل الإعفاء من الخدمة العسكرية أو تحاليل متضاربة للمخدرات، تمثل ازدواجية فجة في العقوبة ومخالفة للدستور، إذ تُستخدم القوانين كأداة سياسية لمعاقبة الأصوات الحرة.

 

البيان يحمّل الحكومة مسؤولية خنق المجال العام

 

جاء في نص البيان أن ما يجري "لا يقتصر على استبعاد أفراد، بل هو عدوان على فكرة الديمقراطية ذاتها"، معتبرًا أن الدولة تسير في طريق "تجريف الحياة السياسية وتحويل الانتخابات إلى إجراء شكلي لا يعبّر عن إرادة الناس، بل يُستخدم لتزيين صورة الاستبداد".

 

واعتبر الموقعون أن الحكومة تتحمل المسؤولية الكاملة عن هذا الانغلاق، مؤكدين أن "إغلاق المجال العام وإقصاء المستقلين والمعارضين سيؤدي إلى تفاقم الاحتقان واليأس، كما حدث قبل عام 2011".

 

وأضاف البيان أن ما يجري اليوم يكرّس ما وصفه بـ"عسكرة المجال المدني"، حيث تُختزل الوطنية في الزي العسكري وحده، ويُقصى من السياسة كل من لا يمر عبر بوابة الجندية.

 

أصوات من داخل المشهد تنتقد الدولة بشدة

 

قال خالد علي، المحامي الحقوقي والموقّع على البيان، إن ما يحدث هو "عودة إلى سياسة ما قبل الانفجار"، مضيفًا في تصريحات لموقع درب أن "السلطة تستخدم التحاليل والملفات العسكرية كذريعة لإبعاد المعارضين"، واصفًا استبعاد مرشحي التحالف الشعبي بأنه "فضيحة تكشف نية واضحة في تصفية أي معارضة حقيقية من المشهد الانتخابي".

 

أما الكاتب والصحفي مصباح قطب، نائب رئيس تحرير المصري اليوم، فقد اعتبر أن ما يحدث "ليس مجرد تضييق على حزب أو تيار، بل هو قتل منظم للسياسة في مصر"، مشيرًا إلى أن "السلطة باتت تخاف من الكلمة الحرة أكثر من أي شيء آخر"، وأن "البلد لا يمكن أن يستقر على صوت واحد مهما اشتدت القبضة".

 

ومن جانبه، حذّر المفكر السياسي د. مصطفى كامل السيد من أن "استبعاد المعارضين لا يحقق الاستقرار، بل يهدد تماسك الدولة نفسها"، مشيرًا إلى أن الديمقراطية ليست رفاهية بل "صمام أمان" يحول دون انفجار الغضب الشعبي.

 

تشبيهات تاريخية وتذكير بتحذيرات الماضي

 

البيان قارن ما يجري الآن بما حدث قبيل انتخابات 2010، حين ظنت الحكومة أن إقصاء المعارضة سيضمن لها الهدوء، لكن النتيجة كانت انفجارًا شعبيًا أطاح بالنظام بعد شهور قليلة.

 

وأضاف الموقعون أن تكرار السيناريو نفسه اليوم، مع غلق المجال العام وتجريم الاختلاف، "يعني أن الدولة لم تتعلم شيئًا من التاريخ"، محذرين من أن "إقصاء السياسة لا يقتلها، بل يدفعها إلى الشارع واليأس".

 

دعوة إلى التراجع وإنقاذ ما تبقّى

 

في ختام البيان، طالب الموقعون الهيئة الوطنية للانتخابات بإعادة إدراج جميع المرشحين المستبعدين فورًا، وضمان منافسة عادلة وحقيقية بين الجميع، داعين مؤسسات الدولة إلى "وقف مسار الانغلاق الكامل"، لأن "من يقتل السياسة اليوم، إنما يفتح الباب غدًا لليأس والفوضى".

 

وأكد البيان أن القوى الوطنية لن تصمت على ما وصفه بـ"المذبحة السياسية الهادئة"، وأن الدفاع عن مدنية الدولة سيستمر داخل الأحزاب وخارجها، حتى "تعود السياسة إلى موقعها الطبيعي كحق وطني، لا كامتياز تمنحه السلطة".

 

الموقعون:

 

  • حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
  • الحزب الاشتراكي المصري
  • الحزب الشيوعي المصري
  • الاشتراكيين الثوريين
  • ومن الشخصيات تم توثيق 65 نجمل منهم ما يلي:
  • خالد علي – المحامي بالنقض والإدارية العليا
  • أكرم إسماعيل – مهندس
  • د. عمرو هاشم ربيع – عضو مجلس أمناء الحوار الوطني
  • د.جمال زهران – برلمانى سابق وأستاذ جامعى علوم سياسية
  • منى معين مينا – طبيبة
  • سعيد عبد الفتاح أبو طالب – مهندس
  • أ.د سعيد النشائي – أستاذ بكلية الهندسة
  • د. أحمد الخميسي – أديب وكاتب
  • كمال عباس المنسق العام لدار الخدمات النقابية
  • عماد عطية – مهندس