في خطوة أثارت غضب الجماهير العربية وأنصار القضية الفلسطينية، ظهر النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي وهو يقدم تيشيرتين موقّعتين لشخصين إسرائيليين محررين من الأسر لدى المقاومة الفلسطينية، في مشهد يحمل دلالات تتجاوز الرياضة إلى التوظيف السياسي لصورة ميسي في دعم الاحتلال وتبييض جرائمه.

هذه اللفتة التي تبدو في ظاهرها إنسانية أو ودية، تأتي في لحظة إقليمية حساسة يعيش فيها الفلسطينيون واحدة من أقسى مراحل الإبادة والحصار، لتتحول “هدية ميسي” إلى صفعة على وجه الوجدان العربي، ورسالة ضمنية بأن شهرة الرياضة يمكن أن تُستخدم غطاءً لتطبيع جديد ناعم وممنهج.

 

تطبيع رياضي مقنّع

منذ سنوات، تحاول إسرائيل استغلال رموز الرياضة العالمية لاختراق الوعي الجمعي العربي، وتلميع صورتها أمام الرأي العام الدولي. ويبدو أن ميسي، عن قصد أو عن جهل، قد انخرط في هذا المشروع بتصرفاته الرمزية.

فبعد زيارته لإسرائيل أكثر من مرة، وإعلانه سابقًا عن علاقات تجارية مع جهات إسرائيلية في مجالات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، يأتي هذا الإهداء الأخير ليكمل الصورة: نجم كرة القدم الأكثر تأثيرًا في العالم يمنح قميصه لجنودٍ أو أسرى إسرائيليين، بينما تغيب أي إشارة منه لمعاناة ملايين الفلسطينيين تحت القصف والاحتلال.

إنها ليست مجرد “تحية شخصية” كما قد يصفها البعض، بل رسالة تطبيع مغلّفة بلغة الرياضة، تصب في مصلحة الدعاية الإسرائيلية التي تبحث دومًا عن غطاء إنساني لمشروعها العسكري.

 

ازدواجية المعايير وسقوط القيم
يطرح تصرف ميسي سؤالًا صارخًا حول القيم التي يتغنى بها الرياضيون العالميون حين يتعلق الأمر بالعدالة وحقوق الإنسان.
ففي الوقت الذي لا يتردد فيه نجوم كثر في دعم أوكرانيا أو قضايا بيئية وإنسانية، يصمت ميسي تمامًا تجاه المجازر في غزة، بل ويظهر في لقطات تقترن مباشرةً بالجيش الإسرائيلي.
هذا الصمت المطبق، متبوعًا بتصرّف “الهدية”، يعكس نفاقًا أخلاقيًا وتواطؤًا ناعمًا مع آلة الاحتلال. فحين يختار اللاعب الأشهر في العالم أن يهدي قميصه لمن يمثل طرفًا في نزاع دموي قائم، فهو لا يعبّر عن حياد، بل ينحاز إلى الجلاد ضد الضحية.
https://www.youtube.com/watch?v=xad9iX_y2Zg

 

استثمار الصورة الرياضية لخدمة الاحتلال
إسرائيل لطالما سعت لاستخدام رموز الثقافة والرياضة لتغيير صورتها في العالم، من خلال بناء “جسور وهمية” مع شخصيات محبوبة عالميًا.

ولا يُستبعد أن يكون تصرف ميسي جزءًا من عملية علاقات عامة مدروسة، خصوصًا أن الإعلام العبري احتفى بالفيديو واعتبره “انتصارًا رمزيًا” لإسرائيل بعد عملية الأسر.
الرسالة واضحة: إذا كان ميسي، بطل كأس العالم، يقدم قميصه لمواطنينا، فإن إسرائيل ليست معزولة، بل مقبولة عالميًا.
هكذا، تتحول الرياضة إلى أداة دعائية في خدمة الاحتلال، بينما يُستخدم وجه ميسي كوسيلة لتطبيعٍ ناعمٍ مع دولة تمارس الفصل العنصري والتهجير.

 

خيبة عربية وغضب جماهيري
الشارع العربي لم يستقبل المشهد ببرود. فقد ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بتعليقات غاضبة تندد بـ"ميسي المطبع"، وتطالب بمقاطعة منتجاته ورعاته.
اعتبر ناشطون أن تصرفه ليس سلوكًا عابرًا، بل إهانة مباشرة لمشاعر الملايين من عشاقه العرب الذين طالما رأوا فيه رمزًا للتواضع والإنسانية.
وذهب البعض إلى القول إن ميسي، الذي قبل في 2018 خوض مباراة في القدس رغم احتجاج فلسطيني في حين الغيت لظروف امنية، عاد اليوم ليأزم موقفه الأخلاقي ويمنح إسرائيل ما لم تستطع تحقيقه عبر الدبلوماسية أو الحروب: القبول الشعبي من خلال نجوم الرياضة.

 

الرياضة حين تفقد براءتها
إن ما فعله ميسي يُظهر بوضوح أن الرياضة لم تعد بعيدة عن السياسة، وأن الحياد المزعوم يتحول عند الاختبار إلى انحياز فاضح.
حين يضع نجم عالمي اسمه على قميصٍ يُهديه إلى جنود احتلالٍ متورطين في جرائم ضد المدنيين، فهو لا يكرّس التسامح، بل يشارك في غسل صورة القتلة أمام العالم.
لقد فقد ميسي، في عيون كثيرين، المكانة التي بناها بموهبته حين اختار أن يقف، ولو رمزيًا، في صف الظالم لا المظلوم.

 

وفي النهاية فما فعله ميسي ليس تفصيلاً صغيرًا في حياة نجم رياضي، بل فعل تطبيعي صريح يحمل أبعادًا سياسية وأخلاقية خطيرة.
فبينما تتساقط أرواح الأبرياء في غزة، يأتي قميص ميسي ليُقدّم كجائزة لأسرى الاحتلال، في مشهد يختزل مأساة الضمير العالمي: نجم يبتسم للمجرمين بينما الأطفال يُسحقون تحت الركام.
هكذا تتحول “هدية رياضية” إلى وصمة عار إنسانية، وتتحول كرة القدم إلى منصة لتبييض وجه الاحتلال بلمسة من أشهر لاعب في العالم.