منذ أن شرع قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي فيما يسميه تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي في عام 2016، والذي شمل تحرير سعر الصرف، خفض الدعم عن الوقود، وترشيد الإنفاق الحكومي، وُضِع على عاتق المواطن المصري عبء التحمل الكامل لتلك التعديلات الجذرية، في وقت يواصل فيه السيسي ورئيس الوزراء مدبولي الإشارة إلى ضرورة أن يتحمل الشعب "فاتورة الإصلاح".

 

لكن في ظل استمرار التوسع في تنفيذ مشروعات ضخمة وفاخرة، يثور تساؤل مشروع حول ما إذا كان هذا العبء قد وقع على المواطن وحده، بينما تستمر الحكومة في إنفاق مليارات الدولارات على مشاريع لا يُرى تأثيرها الفعلي على حياة المواطن البسيط.

 

تكاليف المشاريع الفاخرة: من العاصمة الإدارية إلى الطائرة الرئاسية

 

تعتبر العاصمة الإدارية الجديدة واحدة من أكبر المشاريع التي أُنفقت عليها أموال ضخمة في تاريخ مصر الحديث. بتكلفة تقارب 58 مليار دولار، يشمل المشروع بناء مقر الحكومة، القصر الرئاسي، الوزارات، والسفارات. ورغم التبريرات الحكومية بأن تمويل هذه المشاريع سيتم من خلال بيع الأراضي للمستثمرين، إلا أن الفاتورة الإجمالية لا تزال تُعتبر عبئًا غير مباشر على المواطنين، وتطرح تساؤلات بشأن الأولويات في وقت يعاني فيه الشعب من غلاء الأسعار وتدهور مستوى المعيشة.

 

لكن الطامة الكبرى لا تتوقف عند هذه الحدود. ففي وقت يعاني فيه المصريون من ارتفاع أسعار الوقود والكهرباء، يختار السيسي أن يخصص 500 مليون دولار لشراء طائرة رئاسية فاخرة من طراز بوينغ 747-8، سميت بـ"ملكة السماء". هذه الطائرة ليست مجرد وسيلة نقل، بل هي رمز للإنفاق المفرط في وقت يطالب فيه الشعب بتخفيض النفقات وتوجيه الأموال نحو مشاريع تلامس حياة الناس اليومية. في الوقت الذي يُطلب من المواطنين التضحية، يجدون أنفسهم أمام صورة مغايرة تمامًا في أعلى هرم السلطة.

 

المواطنون يعترضون: تكاليف الإصلاح في مقابل مشاريع الفخامة

 

لقد عبر المواطنون مرارًا وتكرارًا عن استيائهم من الفجوة الكبيرة بين مطالبهم بتخفيف العبء الاقتصادي وبين الاستمرار في تمويل مشروعات لا تمس حياتهم اليومية بشكل مباشر. انتقد الإعلامي عمرو أديب والإعلامي أحمد موسى بشدة الإنفاق على مشاريع فاخرة في ظل استمرار ارتفاع الأسعار التي تلتهم جزءًا كبيرًا من دخل المواطن. ورغم تصريحات الحكومة بأن هذه المشاريع جزء من استراتيجية التنمية طويلة الأجل، فإن المواطن العادي لا يرى فائدة مباشرة لهذه المشاريع على تحسين وضعه الاقتصادي، بل على العكس، يشعر وكأن الحكومة تتجاهل الواقع المؤلم الذي يعيشه.

 

تبريرات الحكومة: هل هي مقنعة؟

 

في مواجهة الاعتراضات، تمسك مدبولي والسيسي بتفسير المشروع على أنه استثمار طويل الأجل يهدف إلى تحفيز الاقتصاد الوطني وخلق فرص عمل. ورغم أن تصريحات الحكومة أكدت أن تمويل هذه المشاريع يأتي من استثمارات وليس من الميزانية العامة مباشرة، إلا أن الحقيقة تبقى أن هذه المشاريع تظل عبئًا على الموارد الوطنية، وأموالًا قد تكون بحاجة إلى تخصيصها نحو تحسين حياة المواطنين بدلاً من أن تُصرف على مشاريع ترفيهية ومرافق لا تقدم قيمة ملموسة.

 

السيسي نفسه أكد على أنه يشعر بمعاناة المواطنين، لكنه في الوقت نفسه دعاهم للصبر لأن المشروع أكبر من ذي قبل ويتطلب جهودًا مستمرة. لكن تلك التصريحات لم تُقنع الجميع، فالكثير من المواطنين يرون أن الاستمرار في إنفاق مليارات الدولارات على مشاريع قد تستفيد منها فئة محدودة من الناس يُعد تهميشًا لتطلعاتهم الأساسية في حياة أفضل.

 

الجدل المستمر: المواطن في مواجهة الدولة

 

الجدل حول الإنفاق الحكومي الضخم مقابل تحمل المواطنين "فاتورة الإصلاح" يعكس أزمة ثقة متزايدة بين الحكومة والشعب. فبينما يرى المسؤولون في هذه المشروعات استثمارًا ضروريًا لاقتصاد مصر على المدى البعيد، يراها المواطنون عبئًا غير ضروري في وقت يعانون فيه من غلاء الأسعار والتضخم. المشاريع الضخمة مثل العاصمة الإدارية الجديدة وشراء الطائرة الرئاسية لا تتماشى مع الواقع الذي يعيشه المواطن الذي يضطر إلى التضحية في كل جانب من جوانب حياته اليومية، بينما يرى أموال الدولة تُنفق على رفاهية السلطة.

 

وفي النهاية، يبقى السؤال الذي يطرحه المواطن: هل يحق للحكومة أن تطالب الشعب بالتحمل بينما تستمر في تنفيذ مشاريع لا تلمس حياتهم بشكل مباشر؟

 

فتحميل المواطنين عبء الإصلاح الاقتصادي بينما تستمر الحكومة في إنفاق أموال ضخمة على مشاريع لا تسهم بشكل مباشر في تحسين حياة المواطن هو تناقض صارخ. مشاريع مثل العاصمة الإدارية وشراء الطائرة الرئاسية تمثل مفارقة كبيرة في وقت يعاني فيه المواطنون من صعوبة الحياة اليومية.