في الوقت الذي يعيش فيه أكثر من مليوني فلسطيني في غزة على وقع الجوع والدمار بفعل العدوان الإسرائيلي والحصار الممتد، يطل قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي بخطابٍ إنساني مزعوم، معلنًا تنظيم مؤتمر دولي لإعادة إعمار القطاع، وداعيًا المصريين للتبرع “تعبيرًا عن المحبة والمسؤولية القومية”.

لكن خلف هذا الخطاب المتعاطف تختبئ حقيقة مرة: نظام السيسي كان شريكًا مباشرًا في خنق غزة وإطالة معاناة أهلها، بينما بنى علاقاته مع تل أبيب على حساب القضية الفلسطينية نفسها.
 

حصار بأيدٍ مصرية.. والتواطؤ مع الاحتلال
منذ توليه الحكم، حافظ السيسي على نهجٍ سياسي ضاغط تجاه غزة، مستخدمًا معبر رفح كورقة ضغط تخدم المصالح الأمنية الإسرائيلية.
فبينما تروّج الحكومة لدور “الوسيط العادل”، تشير الوقائع إلى مشاركة مصر في الحصار الاقتصادي المفروض على القطاع، من خلال تشديد الرقابة على دخول المساعدات والمواد الأساسية، ومنع عبور الجرحى والمصابين في ذروة القصف الإسرائيلي.

لقد تحوّل “الجار العربي الأكبر” إلى شريك صامت في تجويع الفلسطينيين، يفتح المعبر حين يريد كسب الثناء الغربي، ويغلقه حين تتطلب الحسابات الأمنية إرضاء تل أبيب.
 

مؤتمر إعمار أم مسرحية لتجميل صورة النظام؟
إعلان السيسي عن استضافة مؤتمر دولي لإعادة إعمار غزة بدا، في نظر كثيرين، محاولة يائسة لتبييض وجه نظامٍ متورط في حصار الأشقاء.
فالدعوة إلى التبرع من شعبٍ يرزح تحت أعباء الغلاء والفقر، بينما تُنفق الدولة المليارات على مشروعات ترفيهية وعواصم إدارية، تكشف أن الهدف ليس إنقاذ غزة، بل إعادة تسويق السيسي أمام المجتمع الدولي كـ“راعٍ للسلام” و“صوتٍ للإنسانية”.

كيف يمكن لحاكمٍ شارك في إغلاق المعابر وقطع الإمدادات أن يتحول فجأة إلى منقذٍ وممولٍ لإعمار ما ساهم في تدميره؟
 

الوساطة المصرية.. غطاء للهيمنة الأمريكية والإسرائيلية
بحسب تصريحات رئيس هيئة الاستعلامات ضياء رشوان، فإن الولايات المتحدة كانت على علمٍ مسبق بكل تفاصيل الضربات الإسرائيلية الأخيرة، وشاركت في كل مرحلة من الاتفاقات. هذا يعني أن مصر لم تكن وسيطًا مستقلاً، بل قناة تمرر ما يقرره نتنياهو وواشنطن.

وما اعتبره رشوان “النجاح الوحيد لترامب في السياسة الخارجية” يوضح أن القاهرة صارت جزءًا من مشروع أمريكي–إسرائيلي يهدف إلى ضبط غزة لا تحريرها، وإلى تجريد المقاومة من سلاحها لا ضمان حقوق شعبها.
 

التناقض الأخلاقي والسياسي في خطاب السيسي
خطاب السيسي الأخير أمام القوات المسلحة لم يخلُ من المفارقة؛ ففي الوقت الذي يتحدث فيه عن “المسؤولية القومية”، تواصل حكومته منع قوافل المساعدات من دخول القطاع إلا بتصريح مسبق، وتغضّ الطرف عن الخروقات الإسرائيلية التي تجاوزت 47 انتهاكًا منذ إعلان وقف النار.

هذا التناقض يعكس سياسة النظام القائمة على المتاجرة بالقضية الفلسطينية لتلميع صورته، دون اتخاذ أي موقف حقيقي لرفع الحصار أو محاسبة الاحتلال على جرائمه.
 

غزة بين الجوع والإعمار الزائف
يعيش الفلسطينيون في غزة اليوم واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في تاريخهم الحديث، بينما تحاول القاهرة تسويق نفسها كـ“المنقذ الإقليمي”.
لكن الحقيقة أن من ساهم في تجويع الناس لا يمكن أن يكون صادقًا في إعمار بيوتهم. فالمؤتمرات والبيانات لا تبني وطنًا، ولا تعيد الحياة لطفلٍ فقد أسرته تحت القصف.

إن موقف السيسي من غزة لا يُقاس بعدد المؤتمرات التي يدعو إليها، بل بمقدار الجرأة في كسر الحصار والاصطفاف إلى جانب المظلومين، لا المحتلين.

ختاما فهكذا يواصل النظام المصري تحت قيادة السيسي تقديم أوراق اعتماده كـ“الصديق الوفي لإسرائيل”، بينما يبيع الشعارات للشعب المصري وللعالم العربي باسم “الإعمار”.
وبينما ينهض الغزيون من تحت الركام، يبقى السؤال: هل يمكن لمن شارك في حصارهم أن يكون يومًا سببًا في خلاصهم؟