بعد أن وضعت الحرب أوزارها في غزة، يبدو التحدي الأصعب أمام عودة الأوضاع إلى طبيعتها في القطاع هو التخلص من ملايين الأطنان من أنقاض المنازل التي دمرها الاحتلال على مدار عامين، مخلفًا أوضاعًا إنسانية مأساوية، حيث يفترش معظم السكان البالغ أكثر من مليوني ونصف مليون فلسطيني الشوارع، في ظل نقص الخدمات وانهيار المرافق والبنية التحتية بفعل الحرب.
وفقًا لموقع (BBC)، فإن هناك ملايين الأطنان من الأنقاض المتناثرة الآن في قطاع غزة، والتي لا تقتصر على مجرد أكوام من الخرسانة والمعادن الملتوية، بل تحتوي أيضًا على بقايا بشرية وقنابل غير متفجرة.
تأمين المواقع التي تعرضت للقصف
يقول فيليب بوفرات، المدير التنفيذي السابق لشركة "جيه سي بي" البريطانية لتصنيع المعدات الثقيلة: "من منظور السلامة والإنسانية، فإن أول شيء يجب عليك فعله هو جعل المواقع التي تعرضت للقصف آمنة".
ثم بعد ذلك، تحدث عملية فرز وفصل وسحق للمخلفات، بعد إزالة مواد مثل البلاستيك والفولاذ، ومن ثم يُمكن طحن الخرسانة المتبقية وإعادة استخدامها، وهذا من شأنه أن يضع أسس البناء، ولكن جهود البناء سوف تتطلب استيراد كميات كبيرة من المواد.
لكنه شدد على أن ذلك لن يتحقق عبر الشاحنات العابرة للحدود، "فأول ما نحتاجه هو بناء ميناء عميق المياه، لأنه سيمكننا من استقبال آلاف الحاويات".
وأضاف أنه عندما يتم تطهير المواقع، فسيكون من الممكن استعادة الخدمات الأساسية مثل المياه والصرف الصحي والكهرباء.
وفقًا لتقديرات اليونيسف، تضرر أو دُمر أكثر من 70 بالمائة من مرافق المياه والصرف الصحي الـ 600 في القطاع منذ 7 أكتوبر 2023.
283 ألف منزل مدمر
وعلى مدار عامين من الحرب على غزة، تشير تقديرات مركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية "يونوسات" إلى أن 282 ألفًا و904 منازل وشقة في مختلف أنحاء غزة تعرضت لأضرار أو تدمير.
لكن من المرجح أن تكون هذه الأرقام أقل من الواقع، لأنها لا تشمل بعد العمليات العسكرية الأخيرة في مدينة غزة، مثل الدمار الذي حدث في حي الشيخ رضوان.
وبحسب شيلي كولبيرتسون، الباحثة البارزة في السياسات في مؤسسة راند البحثية في واشنطن، فإن إعادة بناء المساكن في غزة "قد يستغرق عقودًا من الزمن".
وأضافت "بعد القصف الإسرائيلي لقطاع غزة في عامي 2014 و2021، كانت عملية إعادة إعمار المساكن بطيئة لأن إسرائيل لم تسمح بدخول كميات كبيرة من مواد البناء لأنها ذات استخدام مزدوج"
وأوضحت: "إذا أُعيد البناء الآن كما فعلنا في عامي 2014 و2021، فسيستغرق الأمر 80 عامًا. وإذا كان هناك تخطيط جيد، فقد يستغرق الأمر وقتًا أقل".
وأشارت إلى أن "التخطيط الجيد يعني تصميم المخيمات التي يمكن أن تتحول إلى أحياء ومساعدة الناس على العودة إلى منازلهم المتضررة وإعادة بنائها."
https://www.bbc.com/news/articles/cr5e4ee9r13o
90 ألف طن من الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري
أظهرت دراسة أن ملايين الأطنان من الأنقاض التي خلفها القصف الإسرائيلي لقطاع غزة قد تولد أكثر من 90 ألف طن من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وقد يستغرق إزالتها ومعالجتها ما يصل إلى أربعة عقود من الزمن.
وقال باحثون إن تدمير إسرائيل للمنازل والمدارس والمستشفيات الفلسطينية في غزة أدى إلى توليد ما لا يقل عن 39 مليون طن من الحطام الخرساني بين أكتوبر 2023 وديسمبر 2024، الأمر الذي سيتطلب ما لا يقل عن 2.1 مليون شاحنة قلابة تسير مسافة 29.5 مليون كيلومتر لنقلها إلى مواقع التخلص منها.
ويعادل إزالة الأنقاض قيادة سيارة بحجم 737 مرة من محيط الأرض، ويولد ما يقرب من 66 ألف طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، وفقًا للباحثين في جامعتي إدنبرة وأكسفورد، الذين استخدموا أدوات مفتوحة المصدر متطورة في الاستشعار عن بعد للكشف عن الانبعاثات المرتبطة بالصراعات وتحليلها.
وتعد الدراسة، التي نشرت في مجلة "البحوث البيئية: البنية التحتية والاستدامة"، جزءًا من حركة متنامية لمراعاة التكاليف المناخية والبيئية للحرب والاحتلال، بما في ذلك الأضرار الطويلة الأمد التي تلحق بالأرض ومصادر الغذاء والمياه، فضلاً عن التنظيف وإعادة الإعمار بعد الصراع.
القنابل المدفونة تحت الأنقاض
ويقول الخبراء إن القنابل المدفونة تحت أنقاض غزة تعرض الآلاف للخطر عند عودتهم إلى منازلهم، وفق ما ذكرت صحيفة "الجارديان".
وقام الباحثون بدراسة سيناريوهين لحساب سرعة وتأثير معالجة الحطام غير الملوث على المناخ - والذي يمكن استخدامه بعد ذلك للمساعدة في إعادة بناء الأراضي الفلسطينية المدمرة.
وعلى افتراض أن 80 بالمائة من الحطام قابل للسحق، فإن أسطولاً من 50 كسارة فكية صناعية، والتي يبدو أنه لم يتم الترخيص لها مطلقًا في غزة، سيستغرق ما يزيد قليلاً على ستة أشهر، وسيولد نحو 2976 طنًا من ثاني أكسيد الكربون، وفقًا للدراسة.
لكن الأمر سيستغرق أسطولاً من 50 كسارة أصغر حجمًا، من النوع المستخدم بشكل رئيس في غزة، أكثر من 37 عامًا لمعالجة الأنقاض، مما يُنتج حوالي 25,149 طنًا من ثاني أكسيد الكربون.
في هذا السيناريو، ستكون كمية ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن نقل وسحق أنقاض المباني المدمرة في غزة مساوية لشحن 7.3 مليار هاتف محمول .
وكلما بقيت الأنقاض الملوثة في مكانها لفترة أطول، كلما ألحقت المزيد من الضرر بالهواء والماء وصحة مليوني فلسطيني تم تهجيرهم وتجويعهم وقصفهم منذ 21 شهرًا.
عملية إعادة الإعمار
وقال سامر عبد النور، المؤلف الرئيس والمحاضر الأول في الإدارة الاستراتيجية في كلية إدارة الأعمال بجامعة إدنبرة: "قد تبدو انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن إزالة الأنقاض ومعالجتها صغيرة مقارنة بالتكلفة المناخية الإجمالية للدمار في غزة، لكن تركيزنا الدقيق يسلط الضوء على العمالة والعمل المطلوبين حتى لبدء عملية إعادة الإعمار".
وقال عبد النور، وهو فلسطيني كندي: "في حين أن سد فجوة الانبعاثات العسكرية أمر مهم، فإن عملنا يمكن أن يدعم أيضًا صناع السياسات الفلسطينيين والمهندسين المدنيين والمخططين وغيرهم من العمال على الأرض العازمون على استعادة ما فقدوه والبقاء على الأرض وإعادة البناء".
وقال بن نيمارك، المحاضر الأول في جامعة كوين ماري بلندن، والذي يقود فريقًا يبحث في التكلفة المناخية الإجمالية للحرب على غزة: "يُعدّ التركيز المنهجي على الأنقاض عملًا متطورًا، إذ يُسلّط الضوء على الأضرار البيئية التي تُخلفها الجيوش بعد انتهاء الحرب، والتي غالبًا ما تُغفل. ويُقدّم هذا البحث نظرةً جديدةً على الصور اليومية للمباني المُدمّرة وأنقاض غزة، بدلًا من اعتبارها آثارًا مناخية طويلة الأمد للحرب".
وتمتد غزة على مساحة 365 كيلومترًا مربعًا، وتعرّض أكثر من 90 بالمائة من منازلها للضرر أو الدمار، بالإضافة إلى الغالبية العظمى من المدارس والعيادات والمساجد والبنية التحتية.
وتعمل الدراسة على دمج البيانات مفتوحة المصدر حول مساحة سطح المبنى وارتفاعه والأضرار الهيكلية وطوبولوجيا شبكة الطرق لتقدير توزيع الحطام في جميع أنحاء غزة - ثم حساب التكلفة الكربونية لمعالجة ونقل هذا الحطام أثناء إعادة الإعمار، وفقًا لنيكولاس روي، المؤلف المشارك في الدراسة الذي جمع البيانات وأجرى التحليل.
https://www.theguardian.com/world/2025/jul/22/gaza-rubble-environment-emissions-impact