على الرغم من تعمد تغييب المعارضة في مصر، بالاعتفال والنفي والإقصاء، إلا أن إجراءات التهميش هذه لم تسلم منها حتى المعارضة المدنية "المستأنسة"، التي استغلها الانقلاب لإعطاء انطباع مغاير عن صورة الأوضاع في مصر، والتظاهر بأن ثمة ديمقراطية في مصر، لكن حقائق الأمور تثبت زيف هذا الادعاء تمامًا.
فقد تفاجئ عدد من المرشحين من ذوي التوجهات المعارضة عقب تقدمهم بأوراق الترشح للانتخابات البرلمانية المقبلة برفض قبول أوراقهم، وهم: هيثم الحريري، مرشح حزب التحالف الشعبي الاشتراكي عن دائرة محرم بك وكرموز بالإسكندرية، ومحمد عبد الحليم، مرشح الحزب عن دائرة بندر المنصورة، إلى جانب محمد أبو الديار، المدير السابق لحملة المرشح الرئاسي أحمد طنطاوي.
استبعاد الحريري بدون أسباب
وقال الحريري في تصريحات صحفية، إنه فوجئ بعدم وجود اسمه ضمن الكشوف الأولية للمرشحين دون إعلان أي أسباب رسمية أو قانونية، مشيرًا إلى أنه سيتقدم بطعن رسمي على القرار برفض قبول ترشحه خلال المهلة المحددة قانونيًا للطعن، وهي: ثلاثة أيام أمام مجلس الدولة وستة أيام أمام المحكمة الإدارية العليا.
والحريري أحد الأصوات التي عارضت بشدة التنازل عن جزيرتي "تيران وصنافير" لصالح السعودية وقتما كان عضوًا بمجلس النواب في عام 2017، وصوت بالرفض على الاتفاقية التي وقعها النظام مع الحكومة السعودية، قائلاً: ""لقد تأكدنا بالدليل القاطع أن مصر لا تمتلك أدلة تثبت أحقية السعودية في الجزيرتين كما أن السعودية لا تملك أيضًا أوراقا تثبت أن الجزيرتين تقعان في نطاق حدودها".
وخسر الحريري وهو نجل القطب اليساري والبرلماني الأسبق، أبوالعز الحريري، مقعده البرلماني في انتخابات 2020، على الرغم الشعبية الواسعة التي يتمتع بها في دائرته الانتخابية، مما أثار اتهامات ضد النظام بالهيمنة على الحياة السياسية، واستخدام الأجهزة الأمنية والرشاوى الانتخابية في إنتاج مجالس تشريعية موالية له، وخالية من أي صوت معارض.
وعلى الرغم من رفض ترشحه للانتخابات المرتقبة بدون إبداء أسباب، إلا أن الحريري أكد أن حملته الانتخابية مستمرة، معتبرًا أن ما جرى زاد من شعبيته وتأثيره داخل الدائرة، حيث تزايدت رسائل الدعم والتضامن من المواطنين.
إقصاء المعارضة
ويؤكد ذلك بحسب رأي مراقبين، أن ثمة توجهًا رسميًا بإبعاد الأصوات التي قد تشكل إزعاجًا له من البرلمان المقبل، حتى وإن كانت من داخل كتلة المعارضة المدنية، أو ما يعرف بـ "تكتل 25/30"، على خلاف الادعاءات بفتح صفحة جديدة تقبل بالتعددية وترفض هيمنة الصوت الواحد على الحياة السياسية في مصر.
ويرى متابعون أن هذه القرارات تمثل اتجاهًا ممنهجًا لإقصاء الأصوات المستقلة والمعارضة من المشهد الانتخابي، في محاولة لتشكيل برلمان خالٍ من الأصوات المزعجة أو الرقابية، على غرار ما جرى في برلمانات ما قبل 2011 و2015.
وأكد حزب التحالف الشعبي الاشتراكي الذي ينتمي إليه الحريري، أن ما يجري “ينذر ببرلمان بلا معارضة”، وأن الحزب سيتخذ كل الإجراءات القانونية دفاعًا عن حق مرشحيه في الترشح والمنافسة.
وقال مدحت الزاهد، رئيس الحزب، إن استبعاد مرشحي التحالف يأتي في إطار إقصاء المعارضة من البرلمان القادم، الذي قد يُستخدم "لتعديل الدستور وتمديد فترات الحكم وتقليص الحضور المعارض".
حرمان أبو الديار من الترشح
علاوة على استبعاد الحريري وعبدالحليم، مرشحي حزب التحالف الشعبي، رفضت الهيئة الوطنية للانتخابات قبول أوراق ترشح المحامي محمد أبوالديار، المتحدث الرسمي السابق باسم حملة المرشح الرئاسي أحمد طنطاوي، لعضوية مجلس النواب عن دائرة قلين وكفر الشيخ، على الرغم استيفائه الكامل لجميع الأوراق المطلوبة، بما في ذلك شهادة رسمية تؤكد تمتّعه بكامل حقوقه السياسية.
وفوجئ أبو الديار بأن الهيئة الوطنية للانتخابات حذفت اسمه من قاعدة بيانات الناخبين على نحو يحول بينه وبين الترشح في الانتخابات أو ممارسة حقوقه السياسية، على الرغم من امتلاكه شهادة تؤكد أحقيته في الترشح وإدراج اسمه في بقاعدة بيانات الناخبين لانتخابات مجلس الشيوخ التي جرت قبل شهرين.
ورفضت محكمة القضاء الإداري، الطعن المقدم من أبو الديار على خلفية استبعاد اسمه من قوائم الناخبين والسماح له بالترشح، وذلك بعد أن صدر في فبراير 2024 حكم قضائي غيابي بحبسه لمدة عام مع الشغل وكفالة 20 ألف جنيه "لوقف التنفيذ" في القضية رقم 16336 لسنة 2023 جنح المطرية، المحالة من نيابة أمن الدولة العليا، والمعروفة إعلاميًّا باسم "قضية توكيلات أحمد الطنطاوي".