إن مقتل طبيبة شابة 26 عاما، هي حفيدة كمال الدين حسين، أحد قادة الحركة العسكرية التي استولت على السلطة عام 1952، ليس مجرد فاجعة عائلية أو خطأ طبي، بل هو الرمز الأكثر دلالة على أن النظام الذي تأسس على القوة والفساد قد بدأ في التهام نفسه.
هذه الوفاة هي النتيجة الحتمية لسلسلة طويلة من الظلم والإهمال بدأت بانقلاب عسكري وتستمر اليوم تحت حكم نظام هو امتداد مباشر له.
الحديث عن "بناء جمهورية" يصبح تزييفاً للواقع؛ ما تم بناؤه هو دولة أمنية عميقة، حيث تترهل مؤسسات خدمة المواطن بينما تتضخم أجهزة القمع.
إن محاكمة صيدلي منتحل صفة طبيب هي مسرحية بائسة لإلهاء الرأي العام عن الجاني الحقيقي: منظومة كاملة من الفساد والإفلات من العقاب، ورثها النظام الحالي عن أسلافه.
نهاية أسطورة الحصانة: نظام الانقلاب يلتهم أبناءه
لطالما ساد وهم بأن القرب من دوائر السلطة، ولو تاريخيًا، يوفر شبكة أمان في دولة لا تحكمها القوانين بل الولاءات.
وفاة حفيدة أحد "الضباط الأحرار" في عيادة وهمية نسفت هذا الوهم تمامًا، وأثبتت أن الفساد الذي رعاه النظام العسكري قد استشرى لدرجة أنه لم يعد يفرق بين مواطن عادي وسليل أحد مؤسسيه.
إن وجود هذا المركز القاتل في أرقى أحياء القاهرة، التي يفترض أنها تحت أعين الأجهزة الأمنية، هو دليل قاطع على أن الفوضى ليست عرضية، بل هي جزء من بنية النظام.
نظام كهذا، وُلد من رحم انقلاب، يعطي الأولوية دائمًا لسيطرته الأمنية على حساب سلامة مواطنيه وصحتهم، حتى لو كانوا من المحسوبين على "نخبته" التاريخية.
جمهورية الفوضى المنظمة: القوة للقمع والضعف للخدمة
تكشف هذه الحادثة عن المفارقة الجوهرية في طبيعة النظام العسكري: دولة قوية وفعالة بشكل مرعب في قمع المعارضين وتكميم الأفواه، وضعيفة وعاجزة بشكل فاضح عن أداء أبسط وظائفها الخدمية، مثل ترخيص ومراقبة منشأة طبية.
إن الطاقة والموارد التي تُستنزف في الملاحقات الأمنية وبناء السجون وتأمين بقاء النظام، تُخصم مباشرة من ميزانية صحة المواطن وسلامته.
لقد أصبحت مصر "جمهورية الفوضى المنظمة"؛ حيث يُسمح للمحتالين والقتلة بالعمل في وضح النهار طالما أنهم لا يهددون السلطة السياسية، بينما يُسحق أي صوت ينتقد هذا الواقع.
إن الفشل في ضبط عيادة وهمية ليس إهمالًا، بل هو سياسة ممنهجة تعكس أولويات نظام لا يرى في المواطن إلا رقمًا في تعداد السكان أو تهديدًا محتملًا لأمنه.
اقتصاد الموت الفوري برعاية الدولة
لم تمت الشابة نتيجة مضاعفات يمكن تداركها، بل قُتلت على الفور. لقد توقف قلبها في لحظة حقنها بمادة "فيلر مجهولة المصدر"، مما تسبب في جلطة بالشريان الرئوي أودت بحياتها فوراً وهي على كرسي العلاج تستعد لحفل زفافها. هذا ليس مجرد خطأ طبي، بل هو الإيصال النهائي لاقتصاد الموت الذي ترعاه الدولة بإهمالها.
إن وصول مادة قاتلة ومهربة إلى يد صيدلي ينتحل صفة طبيب هو نتيجة مباشرة لفشل النظام في ضبط حدوده وأسواقه. الفساد هنا لم يعد مفهوماً نظرياً، بل أصبح أداة قتل سريعة وفعالة.
لقد تحولت فرحة الاستعداد للزفاف إلى مأتم فوري، لأن الدولة التي يجب أن تحمي مواطنيها هي ذاتها التي تسمح بانتشار أسلحة الموت هذه تحت مسمى "مستحضرات تجميل".
إن سجن هذا المحتال هو محاولة يائسة لإخفاء الحقيقة المروعة: أن النظام بأكمله، بجذوره الانقلابية وفروعه الفاسدة، هو المسؤول عن تحويل عيادة تجميل إلى مسرح لجريمة قتل فوري.