قررت د. منال عوض، وزيرة التنمية المحلية بحكومة الانقلاب العسكري، إحالة مديري إدارة الإسكان ومسؤولي التنظيم وأملاك الدولة في حييّ المرج والسلام أول بمحافظة القاهرة إلى النيابة العامة والإدارية بعد أن كشفت لجنة التفتيش التي شكلتها الوزارة عن مخالفات جسيمة، تمثلت في انتشار بناء حديث بدون ترخيص، وتقاعس مسؤولي المحليات عن إزالة المخالفات في المهد أو تحرير المحاضر وإحالتها للقضاء.
وقد رصدت اللجنة 11 عقارًا متغيرًا و15 عقارًا حديث البناء بدون ترخيص ضمن جولة المعاينة الأولى، وبدأت الوزارة إزالة 26 عقارًا ومصادرة أدوات بناء ومواد خرسانية.
الأرقام تكشف حجم المشكلة
أرقام وزارة التنمية المحلية التي عرضتها اللجنة تشير إلى أن إجمالي المتغيرات المكانية في الحيين بلغ نحو 12,788 متغيرًا، تم الرد على 7,527 منها فقط، في حين أن المتغيرات غير القانونية بلغت 3,776 متغيرًا أي أن أكثر من ثلاثة آلاف تغيير بنيوي لم تُتعامل معه الأجهزة المحلية بالقوة القانونية اللازمة أو بتسجيل قانوني فوري.
كما شملت الإجراءات المصادرات لثلاث خلاطات و5 أطنان من الحديد و30 طن أسمنت ضمن مداهمات الإزالة.
هذه أرقام تثبت أن المشكلة ليست حكاية بضعة مخالفين، بل منظومة إجرائية واسعة النطاق.
لماذا تحيل الوزيرة الآن؟ مؤشرات ضغط داخلي وشعبية
خطوة الإحالة على هذه الشاكلة تبدو كتحرك استباقي لامتصاص غضب الشارع المحلي واحتواء اتهامات الفشل الإداري في ملف البناء العشوائي.
الوزيرة حين تتخذ إجراءات علنية بهذه السرعة فهذا مؤشران اثنان: إما وجود ضغط سياسي من أعلى لإظهار حزم أمام الجمهور، أو محاولة تغطية إخفاقات أوسع في الأجهزة المحلية التي لم تُصلَح عبر سنوات.
ما تثبته واقعة المرج والسلام هو أن المحاسبة هنا كانت سطحية ومتقطعة وليست جزءًا من إصلاح مؤسسي مستدام.
فساد المحليات.. نمط متكرر
هذه الحادثة تتماشى مع سلسلة ملفات سابقة عن فساد المحليات؛ في السنوات الأخيرة تمت إحالات واسعة لموظفي محليات في محافظات مختلفة، وإحالة مئات وحتى آلاف موظفين للتحقيق بسبب تقاعسهم أو تورطهم في قضايا تراخيص وبناء أو تعدٍ على أملاك الدولة.
جهاز التفتيش وقرارات النيابة الإدارية والحكم الصادر عن الإدارية العليا وثّقوا ملفات لأفراد أصدروا تراخيص مخالفة أو تأخروا في تنفيذ قرارات الإزالة، ما يؤكد وجود أنماط عمل راسخة تستغل ثغرات النظام الإداري.
كما سجّلت تقارير صحفية وتقارير رقابية حالات تصالح صورية أو تأخير تحويل محاضر للمحاكمة.
جذور المشكلة.. سياسات مركزية وبيئة تسمح بالفساد
السبب الجذري لا يقتصر على موظف هنا أو مدير هناك؛ بل يمتد إلى سياسات زمنية ومؤسساتية: تركيز السلطة في أجهزة مركزية، سياسات التساهل مع مبانٍ مأهولة لتجنّب أزمة سياسية، وإضعاف آليات الرقابة المستقلة.
تحت حكم السيسي خصوصًا في السنوات الأخيرة، تزايدت ممارسات السيطرة المركزية على المحافظات، وفي الوقت نفسه لم تُقوّ أدوات الشفافية والمساءلة على مستوى المحليات، مما فتح المجال أمام متنفذين ومحسوبيات محلية للاستفادة من سوق البناء الضخم.
هذا التوازن بين مركزية القرار وضعف الرقابة يخلق بيئة حاضنة لأنماط فساد إدارية ومنفعة شخصية.
أمثلة سابقة مشابهة في المحليات
- حالات إحالة مسؤولي محليات بالشرقية والخانكة وحالات سابقة في محافظات أخرى حيث تم رصد تراخٍ في تحرير المحاضر وإجراءات إزالة التعديات، مع مصادرة معدات وبناء مخالف.
- تقارير سابقة عن إحالة 1,184 موظفًا بالمحليات للنيابة في حملات 2022–2024 كجزء من مراجعات دورية للفساد الإداري في الوحدات المحلية، ما يشير إلى تكرر إحالات واسعة لكن مع استمرار الظاهرة نفسها.
- أحكام إدارية عليا سابقة أكدت مسؤولية مديري إدارات هندسية عن إصدار تراخيص مخالفة وحُكم عليهم بإجراءات تأديبية، ما يبرز أن المشكلة جزء من سجلات قضائية وإدارية طويلة.
تداعيات على المواطن والبنية العمرانية
انتشار البناء المخالف يفاقم أزمة الخدمات (صرف صحي، مياه، طرق) ويزيد مخاطر الانهيار والسلامة، ويفرض عبئًا إضافيًا على الميزانية لإصلاح التشابكات أو لسحب تراخيص بأثر رجعي. النمو العشوائي يضعف قيمة التخطيط الحضري ويحوّل المدن إلى فوضى بنيوية تؤثر على جودة الحياة، وتتحمل الدولة والمواطنان تكلفة الإصلاح لاحقًا.
توصيات سريعة
واقعة إحالة مسؤولي المرج والسلام تكشف عن فشل مؤسسي في محليات مصر، ليست مجرد حرّكوا هنا وهناك، حلّ المشكلة يتطلب فصلًا حقيقيًا للسلطات، شفافية كاملة في إصدار التراخيص ونشر سجلات المتغيرات المكانية، آليات رقابية مستقلة، وتطبيق صارم لحكم القانون دون استثناءات سياسية أو اجتماعية.
بدون إصلاحات هيكلية من هذه النوعية ستبقى المحليات حقلًا خصبًا للفساد تحت عباءة إجراءات مؤقتة وحملات إعلامية تعيد إنتاج المشكلة مرة بعد أخرى.