في بلد يفترض أن يقوده نظام يرفع شعار "الاستقرار والأمن"، تتكشف كل يوم وقائع تعكس العكس تمامًا: فوضى ممنهجة، وبلطجة محمية، وشرطة صامتة إن لم تكن متواطئة.

قضية السيدة إيمان المرصفي، ابنة دبلوماسي مصري سابق، التي أطلقت استغاثة مؤلمة بعد الاستيلاء على منزل أسرتها في حدائق القبة، ليست مجرد حادثة جنائية عابرة، بل مرآة لواقع أمني متعفن، تكشف كيف أصبحت الدولة نفسها راعية غير معلنة لظاهرة العنف المجتمعي والبلطجة.
 

استغاثة ابنة الدبلوماسي... وشرطة تتفرج
تقول إيمان المرصفي في استغاثتها إنها فوجئت بمجموعة من البلطجية يقتحمون منزل أسرتها، ويمنعونها من دخوله، بينما وقف قسم شرطة حدائق القبة يرفض تحرير محضر رسمي بالواقعة، مطالبًا إياها بـ"الحصول أولًا على حكم محكمة".
في بلد يحكمه قانون الغاب، لم يعد الدفاع عن الممتلكات مسؤولية الأمن، بل عبئًا على الضحية.
الضباط الذين يفترض أن يحموا المواطنين، باتوا يرددون ببرود جملة واحدة: "هاتوا حكم محكمة"، وكأن دورهم انتهى عند باب القسم.

هذه الرواية، التي تناقلتها مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الأخيرة، فجّرت غضبًا واسعًا وسخرية مرة من أداء الشرطة، خاصة مع تكرار الشهادات عن وقائع مشابهة في المنطقة نفسها. فبحسب روايات الأهالي، عصابات مسلحة تسيطر على عقارات وشوارع كاملة في حدائق القبة، تطلق النار على من يعترضها، وسط تجاهل رسمي مطبق.

فكتب عبدالله " كنت نازل مصر في شهر 11 اخلص تملك شقه الان اتصلت وفركشت بلا شقه بلا وجع راس".

 

ولفت حمادة " بغض النظر عن هذه القصة، لو أي شخص معاه عقد نهائي موثق، وترك شقته فترة ورجع لقى حد قاعد فيها، ميقدرش يطلعه غير بحكم قضائي، مهما كانت قوة الأوراق اللي معاه، ودي كارثة، يعني حرامي متلبس بجريمة ومش خايف ومش قلقان، بخلاف التلاعب في التوثيق في الشهر العقاري ودي كارثة تانية !!!".

 

وأضاف أحمد " إبنة دبلوماسي وبيتعمل فيها كدة ؟ أومال الغلابة إللي زينا يعملوا إييه ؟ ربنا يسترها علينا ويطلعنا منها علي خير .".

 

وقال محمد " ماعدش في مكان لشريف ولا دوبلماسي قديم في انجاس بيتعينوا في كل حته وفي السفارات ما بيعرفوش يقروا زي التسريب ما فضح بدر عبد العاطي كفته"

 

رواية الأمن: نفي متكرر.. بلا أثر على الأرض
كالعادة، لم يتأخر الرد الرسمي. مصدر أمني نقلت عنه بعض الصحف أن ما يجري "نزاع مدني بين طرفين حول ملكية العقار"، نافياً وجود أي اعتداء.
لكن هذه الصيغة الباردة لم تعد تخدع أحدًا. فالمواطنون يعرفون أن عبارة "نزاع مدني" باتت الغطاء القانوني لتبرير تقاعس الشرطة، ووسيلة لتجنب تسجيل جرائم الاستيلاء والبلطجة التي قد تُظهر الدولة عاجزة أمام الرأي العام.

تاريخ المنطقة يفضح الرواية الرسمية؛ فـحدائق القبة تحولت منذ سنوات إلى بؤرة للفوضى: إطلاق نار متكرر، ترويج للمخدرات، مشاجرات مسلحة، واعتداءات على السكان. ومع ذلك، لا وجود فعلي للأمن إلا عندما يتعلق الأمر بملاحقة المعارضين أو فض احتجاج سلمي.
 

البلطجة برعاية الدولة
حين تُترك أحياء كاملة تحت رحمة عصابات محلية، وحين يُجبر المواطن على الاستغاثة بالإعلام لأن الشرطة ترفض التحرك، فالمشكلة لم تعد مجرد إهمال، بل سياسة دولة.
النظام الذي حوّل وزارة الداخلية إلى أداة لحماية السلطة لا الناس، هو نفسه من أطلق يد البلطجية ليكونوا ذراعًا غير رسمية للترهيب والسيطرة.

منذ سنوات، تغلغلت البلطجة في مفاصل الحياة العامة — من الانتخابات إلى الشارع — لتصبح أداة لضبط المجتمع عبر الخوف، بينما يُكافأ المتورطون في العنف بالسكوت أو النفوذ.

لا يمكن فهم ما يحدث في حدائق القبة بمعزل عن هذا السياق. فالدولة التي تُنفق المليارات على مؤتمرات الأمن ومهرجانات "الاستقرار"، تعجز عن تأمين بيت لابنة دبلوماسي سابق. هذه المفارقة ليست عبثًا، بل نتيجة طبيعية لنظام يرى في المواطن تهديدًا وفي البلطجي حليفًا.
 

من انعدام الثقة إلى انهيار العقد الاجتماعي
القضية كشفت مجددًا هشاشة ما تبقى من العلاقة بين المواطن والدولة. فحين يفقد الناس ثقتهم في أقسام الشرطة، وحين يصبح "فيسبوك" هو المنبر الوحيد لطلب النجدة، ينهار جوهر العقد الاجتماعي.

ما يحدث اليوم هو إعادة تعريف للأمن: لم يعد يعني حماية المواطن، بل ضمان صمته.
الشرطة التي تتقاعس عن حماية المنازل هي نفسها التي تقتحم البيوت فجراً لاعتقال ناشط كتب تغريدة. وبينما تُمنع مظاهرة سلمية بدعوى "الإخلال بالأمن"، يصول البلطجية في الشوارع بلا حساب.
 

من يملك السلاح يملك الدولة
حادثة المرصفي ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة. إنها نقطة في بحر من الفوضى المنظمة التي يرعاها نظام فقد شرعيته الأخلاقية والأمنية.
وحين يصل المواطن إلى قناعة بأن الدولة لم تعد قادرة — أو راغبة — في حمايته، فإن السؤال لم يعد: من يحكم؟ بل: من يملك السلاح؟ ومن يحمي من؟