بعد يوم واحد من الانفجارات المدوية التي هزّت منطقة الهايكستب العسكرية شرق القاهرة، لا يزال الغموض يلفّ تفاصيل الحادث الذي أحدث صدى واسعًا داخل الأوساط العسكرية والمدنية على حد سواء. فبينما اكتفى البيان الرسمي للمتحدث العسكري بتوصيف الواقعة على أنها "حادث عرضي أثناء تفكيك ذخائر قديمة"، تكشّفت تدريجيًا معالم مأساة إنسانية سقط فيها ضباط وجنود مصريون، لتطرح تساؤلات حادة حول ما يجري داخل المنشآت العسكرية المغلقة بعيدًا عن أعين الرأي العام.

 

ضحايا لم يُعلن عنهم رسميًا

خلافًا للصمت الرسمي، تداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي وصحف محلية أسماء وصور ثلاثة من عناصر الجيش المصري قالوا إنهم لقوا حتفهم في الحادث، مؤكدين أن الوفاة كانت نتيجة مباشرة لانفجارات الهايكستب. وبحسب منشورات النعي التي انتشرت على نطاق واسع، فإن الضحايا هم:

  • المقدم محمد صلاح السويفي
  • النقيب أحمد محمد إمام
  • المجند أحمد صبري هاشم

ورغم اتساع موجة النعي الشعبي، لم يصدر أي تأكيد أو نفي رسمي من القوات المسلحة بشأن صحة هذه الأسماء أو عدد الضحايا الفعليين. هذا الصمت زاد من حدة التساؤلات، خاصة مع محاولة البيان الرسمي تجنّب الإشارة إلى أي خسائر بشرية.

 

رواية رسمية متحفظة

البيان الصادر مساء الاثنين عن المتحدث العسكري جاء مقتضبًا إلى حدّ يثير الريبة. فقد أوضح أن الانفجار وقع في الساعة 1:45 ظهرًا داخل إحدى ورش الأسلحة والذخيرة في قاعدة الهايكستب أثناء قيام عناصر فنية بأعمال تفكيك "عبوات ناسفة من مخلفات متقادمة". وأضاف البيان أن الحادث تمت السيطرة عليه وأن لجانًا فنية بدأت التحقيق في ملابساته.

لكن ما لم يقله البيان أكثر مما قاله. فلم يحدد طبيعة المواد المتفجرة، ولا ما إذا كانت جزءًا من عمليات تدريب أو تخزين، ولا السبب وراء وجود "مخلفات متقادمة" داخل منطقة عسكرية من المفترض أنها مؤمنة ومعزولة. كما لم يُشر إلى سبب الانفجارات المتتالية التي وصفها شهود عيان بأنها "تشبه قصفًا مدفعيًا" سُمع صداه في التجمع الخامس والعاشر من رمضان.

 

غضب وسخط في الشارع

الحادث أثار حالة من الغضب والقلق بين سكان المناطق القريبة من القاعدة، الذين تداولوا مقاطع فيديو تُظهر تصاعد الدخان الكثيف واهتزاز المنازل بفعل الانفجار. ومع غياب الشفافية في التصريحات الرسمية، عبّر كثيرون عن مخاوفهم من أن يكون الحادث نتيجة إهمال أو سوء إدارة لمخازن الذخيرة، وهي حوادث متكررة في السنوات الأخيرة داخل منشآت عسكرية ومدنية على السواء.

ناشطون مصريون اعتبروا أن التعتيم الإعلامي المعتاد في مثل هذه الوقائع يهدف إلى "حماية صورة المؤسسة العسكرية" أكثر من حرصه على طمأنة الرأي العام، مشيرين إلى أن الحكومة تتعامل مع الكوارث الأمنية والعسكرية باعتبارها أسرارًا تخص النظام، لا أرواح المواطنين.

 

سياق أوسع من الغموض

تاريخ القاعدة العسكرية في الهايكستب، وهي من أكبر منشآت الجيش المصري في شرق القاهرة، يجعل من الصعب تقبّل رواية "الانفجار العرضي". فالموقع يضم ورشًا ومستودعات ضخمة للأسلحة والذخائر ومرافق تدريب، ما يثير تساؤلات حول كفاءة نظم الأمان والسلامة داخل المؤسسة العسكرية، خاصة مع تكرار حوادث مماثلة في السنوات الأخيرة، لم تُكشف نتائج تحقيقاتها حتى اليوم.

يرى محللون أن الحادث يعكس مشكلة أعمق في بنية إدارة المنظومة العسكرية في مصر، حيث تغيب الرقابة المدنية، ويُحجب أي تدقيق أو مساءلة في ظل توسّع نفوذ المؤسسة في مجالات الاقتصاد والإدارة العامة، على حساب الشفافية والمهنية. فالسكوت عن إعلان عدد القتلى، أو ظروف وفاتهم، يعكس – وفق المراقبين – نمطًا متكررًا من "إخفاء الخسائر" حفاظًا على صورة النظام.

 

الهايكستب.. حادث أم عرض لأزمة أعمق؟

سواء كان الانفجار ناجمًا عن خطأ فني أو إهمال إداري، فإن الطريقة التي أدار بها النظام المصري الأزمة تكشف مجددًا عن أزمة ثقة متفاقمة بين الدولة والمجتمع. فالحكومة التي تطالب المواطنين بالصبر والتضحية، لا تقدّم بدورها الحد الأدنى من الصراحة بشأن حياة أبنائهم في الجيش.

ومع استمرار الصمت الرسمي، تبقى صور الضباط الثلاثة التي ملأت مواقع التواصل الاجتماعي شاهدًا على مأساة لم تجد حتى الآن اعترافًا رسميًا. أما الأسئلة الكبرى — عن أسباب الانفجار، وعدد الضحايا الحقيقي، والمسؤولية عن الإهمال المحتمل — فلا يبدو أن النظام مستعد للإجابة عنها قريبًا.