أكد المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، في تقرير للصحفي صالح سالم، أنّ التقدّم في المرحلة الأولى من خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لغزة ما كان ليحدث دون دعم القاهرة. ويشير ذلك إلى عودة مصر إلى قلب المشهد الإقليمي بعد سنوات من الانكفاء بسبب أزماتها الاقتصادية والأمنية.

ذكرت العربي الجديد أنّ القاهرة تتحرك لتصبح محورًا رئيسيًا في تنفيذ خطة ترامب وجهود السلام الإقليمي، معتمدة على موقعها الجغرافي القريب من غزة وإسرائيل، وخبرتها الطويلة في الوساطة، ومصالحها الاستراتيجية. وتزاوج مصر تاريخيًا بين الدبلوماسية والضمانات الأمنية والجهود الإنسانية في تعاملها مع الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، بما يوازن بين دورها الإقليمي وأمنها الداخلي.

أفادت تقارير بأن وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي أقنع حركة حماس بالتعامل الجاد مع الخطة بالتنسيق مع الدوحة وأنقرة، مركّزًا على ضمان وقف دائم لإطلاق النار وانسحاب كامل للقوات الإسرائيلية، مع تأكيده أن "حماس لن يكون لها دور في اليوم التالي" في غزة. واختيار شرم الشيخ كموقع للمفاوضات حول المرحلة الأولى للخطة يحمل رمزية واضحة: مصر تعيد تقديم نفسها كقوة سياسية إقليمية محورية.

 

الاستقرار بعد الحرب

تشارك مصر مبدئيًا بعدد من أفرادها ضمن قوة مراقبة تضم نحو 200 جندي أمريكي لمتابعة تنفيذ اتفاق تبادل الأسرى والرهائن المبرم في شرم الشيخ في التاسع من أكتوبر، ولرصد تهريب الأسلحة إلى غزة وتحديد مواقع جثث المحتجزين. لكن تفاصيل دورها في القوة الدولية المزمع تشكيلها لحفظ الأمن بعد انسحاب القوات الإسرائيلية ما تزال غامضة.

يشير محللون في القاهرة إلى مخاوف عميقة من فراغ أمني داخل غزة عقب خروج حماس وانسحاب إسرائيل، بما قد يهدد الحدود المصرية الممتدة على 13 كيلومترًا. وقال اللواء المتقاعد نصر سالم إن وجود قوة دولية بعد انسحاب إسرائيل ضروري "لتفادي فراغ أمني يهدد حدود مصر"، مؤكدًا أن القاهرة لن تتحمّل مسؤولية ضبط غزة بمفردها. ولهذا سعت إلى تأمين التزامات أمريكية وخليجية لمشاركة العبء الأمني.

ترفض مصر مطالبة إسرائيل بوجود دائم في ممر فيلادلفيا على الحدود، وتقترح بديلًا يقوم على الدوريات المشتركة، وهو ما يخفف المخاوف من تسلل خلايا نائمة لتنظيم الدولة عبر سيناء. وتؤكد القاهرة أن ثمن استئصال التنظيم في سيناء كان باهظًا بشريًا وماليًا، ولذلك نشرت مزيدًا من القوات في شمال سيناء مؤخرًا، ما أثار غضب تل أبيب.
 

المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار

ضغطت مصر منذ بداية الحرب لإدخال مساعدات بلا قيود إلى غزة، وهو ما تحقق جزئيًا مع وقف إطلاق النار في العاشر من أكتوبر، إذ ارتفع عدد الشاحنات الداخلة إلى نحو 400 يوميًا قابلة للزيادة إلى 600، محمّلة بالغذاء والدواء والمساكن المتنقلة. وتُعدّ هذه الزيادة ضرورية في ظل الدمار الشامل الذي أصاب الأراضي الزراعية والبنى التحتية.

أوضح مستشار الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أسامة شعث، أن "احتياجات غزة الإنسانية ضخمة بعد عامين من الحرب التي دمّرت أراضيها الزراعية وجعلتها غير قادرة على إنتاج الغذاء لسنوات مقبلة". وتستند الجهود الجديدة إلى خطة الإعمار المصرية التي أُقرت في مارس الماضي، بتكلفة تقديرية تبلغ 53 مليار دولار، وتستهدف إعادة الإعمار داخل غزة بحلول عام 2030 بدلًا من مشروعات "الريفيرا" التي اقترحها ترامب.

وتخطط القاهرة لعقد مؤتمر دولي للمانحين لتأمين التمويل اللازم لإعادة الإعمار، وسط وعود من بعض الدول، بينها ألمانيا، بالمساهمة في الجهود الإنسانية. كما تؤكد الخطة المصرية على إعادة استخدام الركام في بناء مساكن تعمل بالطاقة الشمسية، وتفادي أي تهجير جماعي للفلسطينيين.
 

مستقبل حماس

تركّز مصر في دورها بعد الحرب على تحقيق الأمن، وضمان تدفق المساعدات، وتأمين انتقال هادئ للسلطة بعيدًا عن حماس، بما ينسجم مع رؤية ترامب لإدارة تكنوقراطية تمهد لتسلم السلطة الفلسطينية الحكم بحلول منتصف 2026.

ويرى محللون أن القاهرة تسعى لتفكيك نفوذ حماس السياسي والعسكري، ويقول الباحث أحمد عبد المجيد إن "مصر تصر على إنهاء حكم حماس باعتباره مفتاح إنهاء الصراع"، معتبرًا أن الحركة "لم تقدّم للفلسطينيين سوى الدمار والحروب".

وتربط مصر موقفها من حماس بخلفية أيديولوجية، إذ تعتبرها امتدادًا لجماعة الإخوان المسلمين التي حظرتها منذ عام 2013. ومن هذا المنطلق، تدفع القاهرة نحو نزع سلاح الحركة وضبط الحدود لضمان استقرار دائم.

وبذلك، تعود مصر لتلعب دورها التاريخي كوسيط وضامن في القضية الفلسطينية، مستفيدة من مزيج من النفوذ السياسي، والخبرة الأمنية، والثقل الجغرافي، في لحظة إقليمية تعيد رسم خرائط القوة بعد حرب غزّة الطويلة.
 

https://www.newarab.com/analysis/why-egypt-so-important-trumps-gaza-peace-plan