أثارت الناشطة البريطانية سايرا خان عاصفة من الجدل بعد انتقادها ما وصفته بـ"الصمت الإعلامي والمجتمعي" تجاه تصاعد جرائم الكراهية ضد المسلمين في بريطانيا. ففي تغريدة لها تساءلت بحدة: "17 هجوماً على المساجد خلال شهرين، وما يقرب من 5 آلاف جريمة ضد المسلمين في عامٍ واحد… فأين الإعلام وأين الاستنكار؟"، في إشارة إلى التناقض بين حجم الظاهرة وردود الفعل المحدودة حيالها. كلمات خان فتحت الباب مجدداً أمام نقاش واسع حول تفاقم الإسلاموفوبيا، التي تحولت من ظاهرة اجتماعية معزولة إلى أزمة بنيوية تمس قيم العدالة والمواطنة في المجتمع البريطاني.
"17 هجومًا على المساجد خلال شهرين، وما يقرب من 5 آلاف جريمة اعتداء على المسلمين في عامٍ واحد… فأين الاستنكار؟ وأين الإعلام؟"
— AUK العرب في بريطانيا (@AlARABINUK) October 10, 2025
الناشطة البريطانية سايرا خان تثير الجدل وتُحرج المتطرفين ووسائل الإعلام المنحازة، بعد انتقادها تجاهل تصاعد جرائم الكراهية ضد المسلمين في بريطانيا، مطالبةً… pic.twitter.com/nEE4XHd6wE
تصاعد مقلق في جرائم الكراهية
تشير بيانات وزارة الداخلية البريطانية إلى أن جرائم الكراهية ذات الدوافع الدينية بلغت مستوى قياسياً في العام المنتهي في مارس 2025، مع زيادة بنسبة 19% في الهجمات التي استهدفت المسلمين مقارنة بالعام السابق. وسُجلت "ذروة حادة" في أغسطس 2024 عقب أعمال شغب عنيفة أججتها شائعات كاذبة ربطت بين مسلمين وجرائم طعن في مدينة ساوثبورت، ما كشف هشاشة الوضع الاجتماعي أمام التحريض الإعلامي والمعلومات المضللة.
وأكد تقرير صادر عن منظمة “Tell Mama”، المتخصصة في رصد حوادث الإسلاموفوبيا، أن عام 2024 شهد رقماً قياسياً يقارب 6000 حالة، وهو أكثر من ضعف ما تم تسجيله قبل عامين فقط. وبيّن التقرير أن الرجال كانوا الأكثر استهدافاً للمرة الأولى، وأن معظم الحوادث وقعت في أماكن عامة وتنوعت بين اعتداءات لفظية وجسدية وتخريب للممتلكات، في حين شكّلت الجرائم ضد المسلمين نحو نصف إجمالي جرائم الكراهية الدينية المسجلة في المملكة المتحدة خلال السنوات الخمس الأخيرة.
الإعلام والخطاب السياسي… شراكة في التحريض
لا تنفصل موجة العداء للمسلمين عن الدور الذي تلعبه بعض وسائل الإعلام وخطابات السياسيين. فقد كشف مركز رصد الإعلام (CFMM) في تقرير موسّع امتد لعامين عن وجود “تحيّز هيكلي وممنهج” في تغطية بعض المنصات الإعلامية البريطانية، وعلى رأسها قناة GB News، التي اتُّهمت بتكريس صورة سلبية للمسلمين والتركيز المفرط على ربطهم بالعنف والتطرف.
وخلص التقرير إلى أن القناة تجاهلت الهجمات على المساجد، وقللت من شأن ضحاياها، مما أسهم في خلق مناخ عدائي متنامٍ.
وتتردد الاتهامات أيضاً في الأوساط السياسية، إذ حمّلت شخصيات بارزة مثل البارونة سعيدة وارسي بعض الأحزاب ومراكز الأبحاث مسؤولية “تسميم الخطاب العام” عبر شيطنة المسلمين البريطانيين، وإبرازهم كتهديد ثقافي أو أمني.
ويحذر خبراء من أن الإسلاموفوبيا أصبحت "مألوفة" في النقاش العام، مع تبني بعض السياسيين خطاباً انقسامياً يربط بين الهوية الإسلامية والتطرف، ما يعزز الإقصاء المجتمعي ويقوض مبادئ التعددية.
تداعيات اجتماعية ومؤسسية
تمتد آثار الإسلاموفوبيا إلى ما هو أبعد من الحوادث الفردية، إذ باتت تشكل نمطاً بنيوياً من التمييز في قطاعات التعليم والتوظيف والإسكان والخدمات العامة. ويعرّف خبراء الظاهرة بأنها "شكل من أشكال العنصرية الموجهة ضد كل ما يُنظر إليه على أنه تعبير عن الإسلام"، ما يجعل المسلمين عرضة لتعاملات تمييزية حتى في المؤسسات الرسمية. وتشير منظمات حقوقية إلى أن سياسات مكافحة الإرهاب، مثل برنامج “Prevent” الحكومي، ساهمت دون قصد في تكريس الرقابة المفرطة على المجتمعات المسلمة، وأوجدت "تأثيراً مروعاً" من الخوف والعزلة داخلها.
ويقول ناشطون إن الأحداث العنيفة مثل أعمال الشغب العنصرية في صيف 2024 عمّقت الشعور بانعدام الأمان لدى المسلمين، الذين يشعرون اليوم بأنهم "مكشوفون وغير محميين". ويطالب المجلس الإسلامي البريطاني (MCB) ومنظمات أخرى الحكومة باتخاذ خطوات عملية، أبرزها اعتماد تعريف رسمي وملزم قانونياً للإسلاموفوبيا، وتفعيل آليات لمحاسبة وسائل الإعلام والسياسيين الذين يروّجون للتحريض أو التمييز.
نحو مواجهة حقيقية
تؤكد تصريحات سايرا خان وما تبعها من ردود فعل أن الإسلاموفوبيا لم تعد مجرد قضية حقوقية تخص أقلية، بل اختباراً حقيقياً لقيم الديمقراطية البريطانية ذاتها. فمع تصاعد جرائم الكراهية وتواطؤ بعض الأصوات الإعلامية والسياسية في إذكاء الخوف، يواجه المجتمع البريطاني تحدياً أخلاقياً يتطلب مواجهة صريحة لجذور الظاهرة، وليس فقط إدارتها أمنياً. وبينما تطالب المنظمات الحقوقية بحماية المسلمين كمواطنين متساوين في الحقوق، يبقى السؤال الأكبر مطروحاً: هل ستتمكن بريطانيا من كبح جماح الكراهية قبل أن تتحول إلى أزمة هوية وطنية؟