أثار حصول حزب الوفد العريق، ذو التاريخ الممتد لأكثر من 100 عام، على 7 مقاعد فقط ضمن قائمة "الوطنية من أجل مصر" في انتخابات مجلس النواب 2025 غضباً واسعاً داخل الحزب.
هذه النسبة اعتبرها البعض غير لائقة بتاريخ الحزب وحجم تأثيره السياسي، كما أشارت مصادر من الهيئة العليا للحزب إلى أن هناك خروقات في المعايير التي تم اختيار المرشحين على أساسها، إضافة إلى وجود محسوبية واضحة في الاختيارات.
الأسماء التي تم دفعها في المقاعد السبعة تضمنت قيادات مثل ياسر الهضيبي، أيمن محسب، وولاء الصبان، ونشوى الشريف، مع خلاف حول المقعد السابع بين عبد الباسط الشرقاوي وأنور بهادر.
ماذا حدث وأسباب الغضب؟!
الغضب داخل الحزب جاء بسبب خروقات في العدالة الانتخابية داخل تحالف القائمة الوطنية والتهم بتوزيع الكعكة بعيداً عن الوفد، حيث تم استبعاد رموز سياسية وقيادات بارزة لم تحظ بفرصة تمثيل الحزب.
كما أن تعديل قوائم المرشحين وتأجيل بعض القرارات دفع البعض لاعتبار أن الحزب تعرض للضحك عليه في معادلات توزيع المقاعد.
هذا إلى جانب إعلان بعض القواعد الشعبية للحزب اضطراب الوضع ونية عقد اجتماع طارئ للحزب للتعامل مع النتائج على المستوى الرسمي والشعبي.
قادة وجماعات داخل الحزب عبّروا عن استيائهم العميق من القرار؛ عضو بالهيئة العليا، عباس حزين، صرّح بأن الغضب واسع وأن هناك اتجاه لعقد اجتماع طارئ لبحث خطوات الاعتراض.
وصف كثيرون النتيجة بأنها "مخالفة ووعود كاذبة" من قيادات الحزب أو من وسطاء التحالف.
برلمان الطراطير تحت حكم العسكر
في قراءة أوسع للمشهد، يصف بعض المحللين هذا البرلمان الذي يفرزه النظام الحالي بأنه برلمان "الطراطير"، حيث سيطر الجيش والأجهزة الأمنية على المشهد السياسي، وتمكينهم من حزبي "مستقبل وطن" و"حماة الوطن" اللذين يملكان الغالبية البرلمانية.
تركز السلطات التنفيذية في يد قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي، ويُوجه البرلمان ليكون أداة تنفيذية وليست منصة تشريعية مستقلة، حيث أن الحكومة تقدم الغالبية العظمى من القوانين، والنواب يقدمون فقط مشاريع قوانين قليلة بشكل مستقل.
أرقام تشير إلى وجود نحو 71 نائباً من خلفيات عسكرية وأمنية بين النواب الحاليين (ما يعادل 12%) تفيد بتعزيز السياسات العسكرة للسياسة المصرية، مما يقيد دور الأحزاب المدنية مثل الوفد.
لماذا يهمّ هذا الاستبعاد؟ أسباب وآثار مباشرة
أولًا: شرعنة إدارة سياسية موحدة، تحالفات مثل «القائمة الوطنية» تعمل عمليًا على إنتاج أغلبية برلمانية مريحة للقرار التنفيذي، ما يترك دور الأحزاب التقليدية التاريخية هامشيًا.
ثانيًا: تآكل القاعدة التنظيمية، الإحباط داخل فروق الحزب قد يؤدي إلى عزوف كوادر محلية عن الحشد، ما يضعف الحضور الشعبي للحزب في الدوائر.
ثالثًا: انقسام داخلي وظيفي، الصدام بين قيادات طالبت بالمزيد من المقاعد ومن يعتبر أن الأفضل المشاركة مهما كانت الحصة يعني احتمال انشقاقات داخل الوفد.
دور القيادات المؤيدة للنظام
في المقابل، قادة أحزاب وتحالفات بارزة داخل "القائمة الوطنية" صرحوا بوضوح عن ضرورة الاصطفاف خلف القيادة السياسية والحفاظ على مقدرات الأمن القومي، وهو خطاب يكرّسه أمين عام حزب مستقبل وطن خلال اجتماعات التحالف ويطالب بميثاق شرف والالتزام بدعم القيادة، وهو ما يعكس أن بعض القوى الحزبية اختارت التعاون مع إدارة السلطة على حساب الاستقلال الحزبي.
الحقيقة تكمن في آليات التفاوض وعدم تساوي النفوذ، أحزاب مدعومة شبه رسميًا أو مرتبطة بمصالح مؤسسية تظهر دائماً بقدرة أكبر على الحصول على نصيب الأسد من قوائم التحالفات، بينما الأحزاب التقليدية القديمة تُجبر على القبول بحصص أقل كي تُبقي واجهة تعددية شكلية في المشهد، هذا ما يشرح استياء قيادات الوفد وشعورهم بأنهم ضحك عليهم.
برلمان الطراطير تحت حكم العسكر؟
ما يجري ليس مجرد صراع حزبي بل هو منظومة تهدف إلى ضبط النتائج السياسية لصالح من يملكون مقدّرات السلطة، توزيع المقاعد بهذه الصورة، والإملاءات التحالفية، وخطاب الاصطفاف يدعمان ادعاء أن البرلمان المقبل سيخرج ضعيفًا كمؤسسة رقابية حقيقية، ومرتعًا لنواب مرشحين باتفاقات، أكثر من ممثلي ناخبين مستقلين وقواعد حزبية قوية.
أرقام وتواريخ هامة
- انتخابات مجلس النواب 2025 جرت على مرحلتين خلال أكتوبر ونوفمبر.
- حزب الوفد حصد 7 مقاعد في القائمة الوطنية.
- البرلمان الحالي يضم 596 نائباً، من بينهم 71 من العسكريين سابقاً (حوالي 12%).
- الغالبية من القوانين منذ 2020 تأتي من الحكومة، والنواب يقدمون 16 مشروع قانون مستقلاً فقط.
- اجتماع الهيئة العليا لحزب الوفد لبحث الأمر كان مقرراً في أكتوبر 2025.
الاستنتاج
ينعكس غضب حزب الوفد على حالة التهميش التي تعاني منها الأحزاب التاريخية المعارضة داخل البرلمان الذي يظهر كجزء من هيمنة عسكرية واضحة في السياسة المصرية.
نقص التمثيل العادل وفقدان الاستقلالية التشريعية يطرح تساؤلات جوهرية عن مستقبل الديمقراطية البرلمانية في مصر تحت حكم السيسي.
مع اقتراب الانتخابات (10–11 و24–25 نوفمبر 2025 للمراحل الداخلية)، يبقى السؤال: هل ستتحول هذه الاحتجاجات داخل الوفد إلى جسم معارض فعلي أم ستبقى مجرد تصفيقٍ فاتر على منوال التوزيع؟