في مصر، وبين جدران الزنازين التي تروي قصصًا من الألم والانتظار، أُصدرت منذ عام 2015 وحتى أكتوبر 2025 أكثر من 2300 إحالة لأوراق متهمين إلى المفتي في قضايا ذات طابع سياسي، وفق ما أعلنت حملة «الحياة حق» التي أطلقها مركز الشهاب لحقوق الإنسان.
تزامن الإعلان مع اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام في العاشر من أكتوبر، ليعيد إلى الواجهة أسئلة موجعة عن العدالة والحق في الحياة.
تؤكد الحملة أن هذه العقوبة، التي باتت تطال الآلاف، لا تقف عند حدود القانون، بل تمتد لتطال الأسر والمجتمع بأسره، مشيرةً إلى أن الهدف من المبادرة هو كشف خطورة أحكام الإعدام في مصر وتسليط الضوء على الجانب الإنساني لمن صدرت بحقهم هذه الأحكام، كثير منهم حُرموا من محاكمات عادلة أو حق الدفاع الكامل عن أنفسهم.
ويوضح المركز الحقوقي أن حملته تسعى إلى رفع الوعي المجتمعي بخطورة استمرار تنفيذ الإعدامات، وتدعو إلى وقفها فورًا كخطوة أولى نحو إلغائها نهائيًا، التزامًا بمبادئ العدالة والكرامة الإنسانية التي لا يمكن أن تزدهر في ظل حبل المشنقة.
وتناولت الحملة عددا من الانتهاكات التي شهدتها القضايا الصادرة فيها أحكام بالإعدام، ومنها إصرار رؤساء المحاكم على رفض إثبات طلبات الدفاع القانونية الخاصة بموكليهم وتهديد المحامين بإحالتهم للتأديب ورفض إثبات طلبات المتهمين، إضافة إلى حضور المتهمين الجلسات من خلف قفص زجاجي عازل للصوت ما يحول بينهم وبين متابعة وقائع الجلسات ورفض رؤساء المحاكم طلب المتهمين ودفاعهم بسماع شهود النفي.
كما تضمنت الانتهاكات محاكمة المتهمين أمام دوائر الإرهاب، أو محاكم أمن الدولة العليا طوارئ، وهي محاكم استثنائية، بالرغم من أن الدستور المصري ينص على ألا يُحاكم شخص إلا أمام قاضيه الطبيعي، إضافة إلى محاكمة المتهمين أمام محاكم عسكرية بالمخالفة للدستور والقانون وعدم السماح بحضور محامين مع المتهمين أثناء تحقيقات النيابة.
ولفتت الحملة إلى عدم السماح للمتهمين بالتواصل مع محاميهم أثناء المحاكمة أو السماح بزيارتهم أو تمكين المحامين من الاطلاع على القضايا والإلمام بالاتهامات الموجهة إلى المتهمين.
وفي الملف الحقوقي أيضا، ألقت قوات الأمن القبض على الصحافية صفاء الكوربيجي، وذلك للمرة الثانية بعدما تم القبض عليها سابقا وحبسها احتياطيا قبل إخلاء سبيلها.
وقال المحامي الحقوقي خالد علي، إن نيابة أمن الدولة العليا قررت حبسها 15 يوما احتياطيا على ذمة التحقيق معها في اتهامات بينها «نشر أخبار كاذبة والانضمام لجماعة إرهابية، وارتكاب جريمة من جرائم الإرهاب، بجانب استخدام حساب خاص على شبكة المعلومات الدولية بهدف ارتكاب جريمة نشر أخبار كاذبة».
وكشف عن مواجهتها في النيابة بمنشور واحد، يعود إلى ديسمبر 2024، والخاص بتهجير بعض أهالي مطروح من منازلهم، لافتا إلى أنه جرى التحقيق معها.
وسارعت نقابة الصحافيين المصريين للمطالبة بالإفراج الفوري والعاجل عن الكوربيجي، ومراعاة وضعها الصحي والنفسي وظروفها الإنسانية في محبسها.
يذكر أن هذه المرة الثانية التي يتم القبض على الكوربيجي، حيث سبق وأن ألقي القبض عليها في 21 إبريل 2022، وتم حبسها على ذمة القضية 441 لسنة 2022.وكانت تواجه – حينها- في القضية اتهامات «بنشر أخبار كاذبة والانضمام لجماعة إرهابية».
والكوربيجي كانت تعمل صحافية في مجلة الإذاعة والتليفزيون الحكومية، لكن فصلت في يناير 2021.
إلى ذلك، طالبت «المبادرة المصرية للحقوق الشخصية» بالإفراج عن السفير محمد رفاعة الطهطاوي (75 عامًا) والذي أتم أمس الأول الأربعاء، عامين قيد الاحتجاز وهما الحد الأقصى للحبس الاحتياطي على ذمة القضية 1097 لسنة 2022 المنظورة حاليًا أمام محكمة الجنايات، وهي القضية الرابعة التي يدرج على ذمتها خلال 12 عامًا من الاحتجاز.
واستنكرت المبادرة استمرار احتجاز الطهطاوي في ظروف متردية في القطاع الثاني من سجن بدر 3، وحرمانه من الزيارة أو التواصل مع أي من أفراد أسرته أو فريق دفاعه لمدة تخطت السنوات السبع.
وشددت على أن الإفراج عن الطهطاوي أمر ضروري، احترامًا للتشريع المصري والقوانين الدولية الملزمة، إذ أن استمرار احتجازه بدعوى محاكمته لاتهامه بارتكاب جرائم أثناء وجوده في عهدة وزارة الداخلية، واحتجازه في عزلة تامة عن العالم الخارجي أمر غير منطقي.
وأكدت على أن استمرار احتجاز الطهطاوي في ظل حرمانه من الحد الأدنى من حقوقه، لا يمكن اعتباره سوى جريمة تعريض مسن للخطر وفقًا لنص المادة 24 من قانون رعاية حقوق المسنين رقم 19 لسنة 2024.
وألقي القبض على الطهطاوي الدبلوماسي السابق ورئيس ديوان رئيس الجمهورية الأسبق في 3 يوليو 2013، من مقر الحرس الجمهوري.
4 قضايا
ومنذ ذلك الوقت أُدرج متهمًا على ذمة أربع قضايا، ففي إبريل 2015 صدر ضده حكم بالحبس ثلاث سنوات في القضية 15530 لسنة 2014 جنايات قسم المعادي، ثم قُدم للمحاكمة على ذمة القضية 56458 لسنة 2013 جنايات مدينة نصر، المعروفة إعلاميًا باسم «التخابر مع حماس».
وقضت المحكمة في سبتمبر 2019 ببراءته من تهمة «التخابر»، وقررت معاقبته بالسجن سبع سنوات لإدانته بالانضمام لجماعة الإخوان المصنفة «إرهابية».
أما القضية الثالثة المعروفة إعلاميًًا باسم «قضية الاتحادية» رقم 10970 لسنة 2013 فقد استبعد من قائمة المتهمين بها، بعدما قضى فترة من الحبس الاحتياطي على ذمتها، دون تعويضه عن هذه المدة من الحبس دون وجه حق.
وفق المبادرة، أتم الطهطاوي كامل العقوبات الصادرة بحقه بإجمالي عشر سنوات كاملة في 2023، وبدلًا من إنفاذ القانون وإطلاق سراحه، تم تدويره على ذمة القضية الرابعة رقم 1097 لسنة 2022، واتهم مجددًا بالانضمام لجماعة «إرهابية»، وتمويلها من داخل مقر احتجازه، دون الالتفات إلى حقيقة أن الطهطاوي ممنوع من التواصل مع العالم الخارجي بأي شكل، ومحروم من تلقي أي زيارة من أسرته أو دفاعه، مما يقطع بعدم معقولية هذه الاتهامات.
وطبقا للمبادرة، أحيل الطهطاوي للمحاكمة على ذمة هذه القضية في 2024، وبدأت محاكمته خلال العام الحالي، مع استمرار حبسه احتياطيًا. وفقًا لأسرته، الطهطاوي ممنوع من تلقي الزيارات منذ ما يزيد عن سبع سنوات، إذ كانت آخر زيارة سمح بها لأسرته بتاريخ 14 مارس 2018.
علاوة على ذلك، باءت كل مساعي الأسرة القانونية لتمكينه من حقه في الزيارة بالفشل، وتقدمت الأسرة بعدد من الشكاوى والالتماسات للنائب العام للتظلم من حرمانه المطول من حقه القانوني في الزيارة ولم تتلق أي رد. واستمرت محاولات الأسرة في الطعن على القرار السلبي بالامتناع عن السماح له من حقه القانوني في التواصل، حسب المبادرة.
وفي يناير 2025، أحالت محكمة القضاء الإداري الطعن إلى هيئة مفوضي الدولة والتي أصدرت رأيها الاستشاري بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإداري.
وكانت هذه الدعوى سببًا في حصول أسرة الطهطاوي على إفادة رسمية لأول مرة بوجود قرار إداري (رقم 125 لسنة 2025) بمنع الزيارة لمدة ثلاثة أشهر عن المودعين بالقطاع الثاني بمركز إصلاح وتأهيل بدر 3، وفق المبادرة، التي أكدت أن الأسرة تحاول منذ ذلك التاريخ، اتباع كل السبل القضائية لتمكين الطهطاوي من رؤية أهله ومحاميه، بعد أكثر من سبع سنوات من انقطاعه الإجباري غير المبرر عن العالم.
وما أكد تفاقم الانتهاكات الواقعة بحق الطهطاوي، كان رسالة منسوبة له أشار فيها إلى لجوئه للإضراب عن الطعام ومعه 58 آخرون من المحتجزين في القطاع الثاني بسجن بدر 3، احتجاجًا على تردي أحوالهم المعيشية وحرمانهم من حقوقهم الأساسية، تبعا للمصدر.
ما يدعو للقلق في الرسالة ويؤكد على عزلة الطهطاوي التامة، كان طلبه بتشكيل لجنة تقصي حقائق لزيارة قطاع 2 في سجن بدر 3، وناشد أن يكون من أعضاء اللجنة كل من السفير شكري فؤاد والأستاذ جورج إسحاق، واللذان توفي كلاهما منذ سنوات مضت. ما يعني أن الطهطاوي ليس فقط محروما من التواصل مع أسرته، بل إنه حتى غير مسموح له بالاطلاع على الأحداث الجارية والأخبار، حسب المصدر ذات.