من وقت لآخر تبرز مطالبات بتعديل الدستور في مصر من أجل تمديد فترة بقاء قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي في منصبه إلى ما بعد عام 2030، وهي المطالبات التي يتبناها إعلاميون محسوبون على الأجهزة الأمنية لكنها لا تحظى بتجاوب شعبي على ضوء ردود الفعل التي ترصد حالة من الغضب المتنامي، في ظل سياسة التضييق والملاحقات الأمنية المستمرة منذ أكثر من 10 سنوات، علاوة على تدهور الظروف الاقتصادية للمصريين تحت وطأة التضخم.
وجاءت آخر تلك المطالبات في يوليو الماضي على لسان الإعلامي محمد الباز، دعا خلالها إلى إعادة النظر في مواد الدستور لتعديل مدة رئيس الجمهورية، والمقدرة حاليًا بـ6 سنوات وفقًا للتعديل الأخير الذي تم إقراره في 2019، ولمدتين رئاسيتين فقط لكل رئيس.
وكان الباز يرد على سؤال خلال مقابلة تلفزيونية مع قناة "النهار" عن تصوره لأداء رئيس مصر القادم بعد انتهاء مدة السيسي في عام 2030، والذي استنفد مدد الترشح وفقًا للدستور الحالي.
ولايتان رئاسيتان
وتنص التعديلات على الدستور التي أجرتها سلطات الانقلاب وتم إقرارها في عام 2019، على أن "يُنتخب رئيس الجمهورية لمدة 6 سنوات ميلادية، تبدأ من اليوم التالى لانتهاء مدة سلفه، ولا يجوز أن يتولى الرئاسة لأكثر من مدتين رئاسيتين متتاليتين".
وأضيفت مادة جديدة إلى الدستور تتعلق بقائد الانقلاب، ونصت على أن "تنتهى مدة رئيس الجمهورية الحالي بانقضاء ست سنوات من تاريخ إعلان انتخابه رئيسًا للجمهورية في 2018، ويجوز إعادة انتخابه لمرة تالية".
التعديلات التي أقرت آنذاك جاءت بعد أن ألمح السيسي إلى عدم رضاه عن الدستور في سبتمبر 2015، قائلاً: "الدستور المصري كُتب بنوايا حسنة، والدول لا تُبنى بالنوايا الحسنة فقط".
وتمنح التعديلات للسيسي الحق في الترشح لولاية جديدة مدتها ست سنوات أخرى، مما يعني بقاءه حتى عام 2030. وعلى الرغم مما أثارته التعديلات آنذاك من جدل واعتراضات، لكن هناك من يدعو الآن إلى تعديل جديد يسمح له بالبقاء إلى ما بعد 2030.
وعلى الرغم من أن السيسي شخصيًا لم يصدر عنه أي تلميح بصدد تعديل الدستور ليتسنى له البقاء حتى ما بعد 2030، إلا أن ذلك لا ينفي احتمالية الإقدام على هذه الخطوة تمامًا، بخاصة وأنه يتبقى 5 سنوات على نهاية ولايته، مما قد يدفعه إلى الانتظار حتى ما قبل عام أو أكثر على نهاية مدته الرئاسية لطرح إمكانية إجراء تعديل دستوري يضمن تمديد بقائه.
المنافقون الأكابر
في المقابل، يحذر الدكتور حسام بدراوي، آخر أمين عام للحزب الوطني المنحل من تعديل الدستور للسماح بفترة رئاسية رابعة للسيسي. ويصف الداعين لهذا التعديل بـ "المنافقين الأكابر"، معتبرًا أن تكرار تعديل الدستور لخدمة شخص الحاكم هو "مأساة سيعاني منها المجتمع المصري سنين قادمة".
ويحذر بدراوي من أن تكرار نفس الأخطاء بنفس الطريقة لن يؤدي إلى نتائج مختلفة، مستشهدًا بتعريف آينشتاين للغباء، في إشارة إلى أن تجاهل دروس الماضي، وتحديدًا ما أدى إلى أحداث يناير 2011، هو خطر داهم على مستقبل البلاد.
ويرى بدراوي أن النظام الحالي لا يزال قابلاً للإصلاح، وأن مفتاح هذا الإصلاح يكمن في يد السيسي نفسه. ووجه دعوة للسيسي بضرورة تعيين نواب له كما ينص الدستور، وذلك لإفساح المجال لظهور وجوه جديدة يمكن للمجتمع أن يراها ويتفاعل معها.
كما طالبه بالتخلي عن "القبضة الأمنية" الشديدة، مجادلاً بأن منح مساحة أكبر من الحرية قد يكون أفضل لنظام الحكم نفسه، لأنه يتيح ظهور بدائل يمكن الاستفادة منها بدلاً من الانغلاق الذي يؤدي حتمًا إلى الفساد، حتى لو لم يكن مقصودَا.