في تعليق يمزج بين النقد السياسي والشعور بالارتياح، قدم الدكتور مراد علي قراءة عميقة لقرار لجنة نوبل منح جائزة السلام لعام 2025 لزعيمة المعارضة الفنزويلية ماريا كورينا ماتشادو، وهو القرار الذي جاء بمثابة صفعة مدوية لطموحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي كان يرى نفسه الأحق بالجائزة.

يرى علي أن هذا الاختيار، رغم ما يحمله من انحياز سياسي واضح، قد حقق عدالة شعرية بتجريد ترامب من شرف لم يكن يستحقه، وفضح النفاق الذي أحاط بمحاولات تلميع صورته.
 

جائزة بنكهة سياسية ولكنها تحقق غاية أخلاقية
لا يتردد الدكتور مراد علي في الاعتراف بأن منح الجائزة لماتشادو "لا يخلو من انحيازٍ سياسيٍّ واضح لصالح الولايات المتحدة ضد فنزويلا". فاختيار شخصية معارضة مدعومة من واشنطن في دولة معادية للسياسات الأمريكية هو استمرار لنهج تسييس الجائزة الذي طالما انتُقدت عليه لجنة نوبل.
ومع ذلك، فإن هذا التحفظ يتوارى أمام "سعادة غامرة" يشعر بها علي نتيجة الإحباط الذي أصاب ترامب. ففي هذه الحالة، يبدو أن الانحياز السياسي قد خدم، ولو بالمصادفة، غاية أخلاقية أسمى، وهي منع تتويج شخصية يعتبرها الكثيرون رمزاً للحروب والخداع.

لقد شن ترامب وحلفاؤه حملة علاقات عامة شرسة للفوز بالجائزة، مستغلاً دوره في التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة. فقد غرد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن ترامب "يستحقها"، وضغط أعضاء في الكونغرس، بل وحتى نجل ترامب، في نفس الاتجاه. ويرى علي أن فشل هذه المساعي هو خيبة أمل مستحقة "لكل من نافقوه أو سعوا لتلميع صورته في إسرائيل وباكستان ومصر".
 

عار سياسي تم تجنبه
يصف الدكتور مراد علي فوز ترامب المحتمل بأنه كان سيشكل "عاراً سياسياً مدوياً". فكيف يمكن لرجل غارق في اتهامات "بالخداع والاحتيال" داخل بلاده، ويواجه قضايا جنائية متعددة، أن يحصل على أرفع جائزة عالمية للسلام؟ إن هذا التناقض الصارخ بين صورة "صانع السلام" التي حاول تسويقها وبين حقيقته كرجل أعمال وسياسي مثير للجدل، يجعل من قرار لجنة نوبل تجاهله أمراً منطقياً وضرورياً للحفاظ على ما تبقى من هيبة الجائزة.

الأهم من ذلك، هو أن يدي ترامب، كما يرى علي، "ما زالت ملوّثتين بدماء أهل غزة".
هذا الاتهام القاسي لا يأتي من فراغ. فترامب، الذي تباهى بقدرته على إنهاء الحرب، هو نفسه من أعطى الضوء الأخضر لإسرائيل ودافع عن عدوانها، وزودها بالغطاء السياسي والدعم العسكري الذي سمح باستمرار آلة القتل والدمار لعامين.

إن محاولته المتأخرة للعب دور الوسيط لا تمحو مسؤوليته عن إشعال الحرب ودعمها في مراحلها الأولى. ومن هذا المنطلق، فإن منحه الجائزة كان سيعني مكافأة مشعل الحرائق على إخماده جزءاً من الحريق الذي تسبب به.

 

لمن تُمنح جائزة السلام؟
يختتم علي تعليقه بالتأكيد على المبدأ الأساسي الذي يجب أن تحكمه الجائزة: "أن تُمنح لمن يسعون إلى السلام لا إلى إشعال الحروب". فالسلام ليس مجرد صفقة سياسية أو وقف مؤقت لإطلاق النار يخدم مصالح انتخابية. السلام هو قيمة أخلاقية عليا ترتكز على العدالة وحقن الدماء واحترام حقوق الإنسان.

إن تجاهل لجنة نوبل لترامب، رغم الضغوط الهائلة، هو بمثابة رسالة بأن الأفعال أبلغ من الأقوال، وأن التاريخ الدموي لمرشح ما لا يمكن محوه بصفقة سياسية في اللحظة الأخيرة. ورغم أن فوز ماتشادو يفتح الباب مجدداً للنقاش حول تسييس الجائزة، إلا أن عدم فوز ترامب قد أنقذها من السقوط في حضيض النفاق السياسي، ومنحها مصداقية، ولو مؤقتة، في عالم لم يعد يثق كثيراً بالرموز والمؤسسات الدولية.