في الوقت الذي تواصل فيه حكومة الانقلاب في مصر استنزاف المواطنين بالضرائب والرسوم التي لا تتوقف، كشفت جمعية خبراء الضرائب المصرية عن مفارقة خطيرة تتعلق بملف العمالة الأجنبية في البلاد، مؤكدة أن الملايين من الأجانب يعملون دون سداد ضرائب أو تأمينات اجتماعية، في مخالفة صارخة للقوانين، مما يُفقد الدولة مليارات الجنيهات سنويًا ويخلّ بمبدأ العدالة الضريبية.
عمالة أجنبية خارج السيطرة
وفقًا للجمعية، هناك 3.6 مليون عامل أجنبي يعملون في السوق المصرية، بينما لا يتجاوز عدد الحاصلين على تصاريح عمل رسمية نحو 22.9 ألف عامل فقط، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. ما يعني أن نسبة العمالة الأجنبية الشرعية لا تتجاوز 1% من إجمالي العاملين الأجانب، في مؤشر خطير على حجم الاقتصاد الموازي الذي يعمل خارج نطاق الرقابة الرسمية.
الجمعية حذّرت من أن هذا الوضع يهدد الاقتصاد القومي ويؤثر سلبًا على فرص العمل المتاحة للمصريين، فضلًا عن كونه يحرم الخزانة العامة من حصيلة ضخمة من الضرائب المفترض تحصيلها من هذه العمالة.
9 ملايين وافد يكلفون الدولة 10 مليارات دولار
من جانبه، قال أشرف عبد الغني، مؤسس جمعية خبراء الضرائب المصرية، إن بيانات منظمة الهجرة الدولية تشير إلى أن مصر تستضيف نحو 9 ملايين وافد من جنسيات مختلفة، يكلفون الدولة أكثر من 10 مليارات دولار سنويًا، رغم الأزمة الاقتصادية الخانقة.
وأوضح أن هؤلاء الوافدين يشملون نحو 4 ملايين سوداني، و1.5 مليون سوري، إضافة إلى نحو مليون يمني ومليون ليبي، إلى جانب عمالة من جنسيات إفريقية وآسيوية أخرى. وأكد أن أغلب هذه العمالة تعمل في قطاعات خدمية وتجارية وصناعية دون تراخيص رسمية، ما يجعلهم خارج منظومة الضرائب والتأمينات الاجتماعية.
انتهاك لقانون العمل الجديد
وأشار عبد الغني إلى أن الأوضاع الحالية تمثل انتهاكًا واضحًا لقانون العمل الجديد رقم 14 لسنة 2025، الذي بدأ تطبيقه مطلع سبتمبر الماضي. وينص القانون صراحة على أنه “لا يجوز للأجانب مزاولة أي عمل داخل البلاد إلا بعد الحصول على ترخيص من الوزارة المختصة، وأن يكون مصرحًا لهم بدخول البلاد والإقامة بقصد العمل”.
القانون، بحسب عبد الغني، يفرض عقوبات مشددة على المخالفين؛ إذ يعاقب كل من صاحب العمل والعامل الأجنبي بغرامة تتراوح بين 20 و50 ألف جنيه، مع تعدد العقوبة بتعدد العمال المخالفين، وتُضاعف في حال التكرار. كما يمنح القانون الحق في إغلاق المنشأة أو سحب ترخيصها إذا استمرت في تشغيل عمالة أجنبية غير مصرح بها.
لكن المشكلة – كما يوضح الخبير الضريبي – تكمن في أن هذه القوانين لا تُطبَّق فعليًا، مما يجعل السوق مفتوحًا أمام المخالفات دون رادع، ويضرّ بمصالح العمالة المحلية التي تواجه منافسة غير عادلة في سوق العمل.
الضرائب والعدالة الغائبة
وفي سياق متصل، أشار عبد الغني إلى أن قانون ضريبة الدخل رقم 91 لسنة 2005 وضع معايير دقيقة لتحديد من يُعد “مقيمًا ضريبيًا” في مصر. فالأجانب الذين يملكون إقامة شرعية دائمة أو يقضون أكثر من 183 يومًا داخل البلاد في السنة الضريبية، أو يحصلون على دخل من مصادر مصرية أثناء وجودهم بالخارج، يُلزمهم القانون بسداد الضرائب.
أما بالنسبة للكيانات التجارية، فيعتبر القانون أن الشركات المنشأة وفق التشريعات المصرية أو التي يقع مركزها الإداري في مصر كيانات مقيمة ضريبيًا. كما تُصنف الشركات التي تمتلك الحكومة أكثر من 50% من أسهمها ضمن الكيانات المقيمة أيضًا.
ورغم وضوح النصوص القانونية، فإن غياب الرقابة وضعف التنسيق بين الجهات المعنية – من وزارتي العمل والمالية إلى مصلحة الضرائب والجهاز المركزي – أدى إلى تراكم مخالفات ضخمة وضياع مليارات الجنيهات من الإيرادات المفترضة.
انعكاسات اقتصادية خطيرة
ويرى خبراء الاقتصاد أن تجاهل ملف العمالة الأجنبية يعمّق أزمات البطالة بين الشباب المصري، ويزيد من التفاوت في الأجور، إذ يقبل كثير من الأجانب بأجور منخفضة لا تغطي الحد الأدنى للمعيشة، مما يضغط على سوق العمل المحلي ويؤدي إلى إحلال العمالة الأجنبية محل المصرية في قطاعات البناء والخدمات والمطاعم والمصانع.
كما أن عدم تحصيل الضرائب من ملايين العاملين الأجانب يضع عبئًا مضاعفًا على المواطنين المصريين الذين يتحملون وحدهم فاتورة الضرائب والرسوم المتزايدة، في وقت تعاني فيه البلاد من عجز مالي وارتفاع الدين العام.
إصلاح مؤجل وعبء متزايد
في ضوء هذه المعطيات، يؤكد خبراء الضرائب أن معالجة أزمة العمالة الأجنبية غير الرسمية تتطلب إرادة سياسية حقيقية لتفعيل القوانين، وربط قواعد بيانات العمل بالضرائب والتأمينات الاجتماعية، وإلزام أصحاب الأعمال بتوثيق عقود العاملين الأجانب.
ففي بلد يعاني من أزمة اقتصادية غير مسبوقة، يصبح ترك ملايين الأجانب يعملون خارج المظلة الضريبية نزيفًا مستمرًا للاقتصاد القومي، ووجهًا آخر لغياب العدالة في توزيع الأعباء بين المواطنين والمقيمين، بينما تواصل الحكومة تحميل المصريين وحدهم تكلفة الأزمة.