على الرغم من أنه شكل أحد الأوراق المهمة في الحرب الإعلامية المستعرة ضد الرئيس المنتخب محمد مرسي، وذلك بعد أن تحول برنامجه الأسبوعي "البرنامج" إلى منصة هجوم دائم عليه، إلا أن الإعلامي الساخر باسم يوسف كان أبرز الإعلاميين الذين حرموا من الظهور على الشاشات في مرحلة ما بعد انقلاب الثالث من يوليو 2013.
تخوف الانقلاب
لم يكن ذلك الاختفاء بمحض إرادة يوسف كما كان يعتقد البعض، لكنه أرغم على ذلك خوفًا من أن تطال سخريته اللاذعة رموز الانقلاب ورجاله، بعد أن سارع منذ اليوم الأول للانقلاب إلى إغلاق العديد من الفضائيات، ومن ثم حجب المواقع الإلكترونية المعارضة، ولم يعد يسمح سوى بالإعلام الموالي له.
فضّل يوسف الذي كان يعمل جراح قلب قبل أن يحترف الإعلام أن يحزم حقائبه وأن يغادر مصر، بعد أن أدرك أنه لا مكان له في ظل الانقلاب، الذي لم يشفع له مواقفه في السابق.
فبعد توقف برنامجه لعدة أسابيع عقب الانقلاب مما أثار تساؤلات حول أسباب ذلك، عاد للظهور مجددًا عبر قناة CBC، والتي ما لبثت أن امتنعت عن عرض إحدى حلقات برنامجه في نوفمبر 2013 بدعوى "عدم الالتزام بالسياسة التحريرية".
وانتقل على إثرها إلى قناة MBC مصر، قبل أن يعلن عن توقف "البرنامج" نهائيًا في يونيو 2014، ومن ثم غادر إلى الولايات المتحدة، حيث انطفأ بريقه الإعلامي إلى حد كبير بعد توقف بث برنامج "البرنامج"، مكتفيًا بظهوره في حفلات يتم تنظيمها في أوساط الجاليات العربية بالغرب.
العدوان الإسرائيلي على غزة
لكن باسم يوسف عاد للأضواء مجدًا مع اندلاع العدوان الإسرائيلي على غزة في أكتوبر 2023، بعد مقابلته الشهيرة مع الإعلامي البارز بيرس مورجان، التي هاجم خلالها سياسات الكيان الصهيوني، وكشف عن العديد من الحقائق بشأن الحرب للجمهور الغربي.
ومن ثم توالى ظهوره على قنوات أمريكية، ليكشف عن الجوانب التي يجهلها الرأي العام بالولايات المتحدة، وهو ما جعله يحظى بقبول واسع، ويعيد تقديم نفسه من جديد للمشاهدين في مصر والوطن العربي، من خلال تحدثه بلهجة غير معهودة في وسائل الإعلام الغربية.
وكانت المفاجأة الأكبر التي ربما لم تدر بخلد أكثر المتفائلين تجاه الانقلاب في مصر، باستضافته على إحد الفضائيات المصرية التابعة للأجهزة الأمنية في مصر، ليجيب على العديد من الأسئلة التي يوجهها الجمهور له من خلال إطلالته الأسبوعية.
وجاء في بيان للشركة "المتحدة للخدمات الإعلامية": "تأتي هذه الخطوة لتؤكد التزام شبكة ON بتقديم محتوى نوعي يجمع بين الجرأة والمصداقية، ويمنح المشاهد فرصة فريدة لمتابعة رحلة واحد من أبرز الأصوات الإعلامية العربية، وأكثرها تأثيرًا في العالم".
وقد أجاب باسم على العديد من الأسئلة التي طرحت عليه خلال المقابلة، ومن بينها سؤال عن شعوره بالغربة، قائلًا: "مصر وحشتني، ولكن في 11 سنة فاتوا.. مصر اللي في خيالي 2014.. أما 2025 مصر بقيت حاجة تاني خالص.. أخاف أرجع ألاقي نفسي غريب عن البلد اللي عشت فيها 40 سنة من حياتي.. الغربة مش بس بتتغرب في بلدك الجديدة ولكن إنك تصبح غريب عن بلدك اللي سبتها".
ربما رأى البعض أن هذه الإجابة تفسر السر وراء عدم عودته إلى مصر حتى بعد كل هذه السنوات، لكنه في الحقيقة تهرّب بذكاء من حرج قد يسببه لأولئك الذين توسطوا للسماح له بالظهور على الشاشات المصرية، ولم يقل إن سلطات الانقلاب في مصر حتى بعد مرور هذه السنوات لا تملك الجرأة بأن تسمح لأحد في داخل مصر بأن يوجه لها عبارة نقد، ناهيك عن أن يسخر منها بطريقته اللاذعة.
مقابل ضخم
وفي زمنٍ تتآكل فيه القدرة الشرائية للمواطن المصري، وتُثقل كاهله الأزمات الاقتصادية، تسربت أنباء عن عقد إعلامي فلكي يُمنح ليوسف، تتحدث عن 22 مليون جنيه شهريًا—مقابل فقرات موجهة حول القضية الفلسطينية، مع حظر صارم على تناول الشأن الداخلي المصري. ورغم نفي يوسف والمصادر الرسمية، فإن مجرد تداول الرقم أثار موجة غضب وتساؤلات: من أين تأتي هذه الأموال؟ ولماذا تُصرف على "ضيف" يظهر من لوس أنجلوس، بينما يُطلب من المواطن شد الحزام؟
وفي بلدٍ يُطلب فيه من الصحفيين والكتّاب أن يلتزموا بـ"الخط الوطني"، يُمنح عقد ضخم لمن يُمنع من الحديث عن الداخل. هل هذه سياسة إعلامية، أم صفقة سياسية؟ وهل باتت القضية الفلسطينية تُستخدم كستار لتبرير الإنفاق، بينما يُمنع الحديث عن القضايا التي تمس حياة المواطن اليومية؟
ورقة سياسية أم مسرحية إعلامية؟
عودة يوسف، وفقًا لأصوات مقربة من السلطة، تأتي في سياق "مكايدة" إسرائيل، بعد توتر العلاقات بسبب حرب غزة المستمرة. لكن النقاد يرون في الخطوة محاولة تجميلية لإيهام الجمهور بوجود تنوع إعلامي، بينما تظل أدوات التحكم في المحتوى بيد الشركة المتحدة والمونتاج، بما يضمن عدم تجاوز الخطوط الحمراء.
يوسف لن يعود إلى الشاشة المصرية كمذيع، بل كـ"ضيف" يظهر من مقره في الولايات المتحدة، في حلقات متقطعة. هذا الترتيب يعكس استمرار الحذر من منحه منصة كاملة، ويطرح سؤالًا جوهريًا: هل يُراد له أن يكون صوتًا حرًا، أم مجرد ورقة تُلوّح بها السلطة في وجه الخارج؟