يعاني القطاع العقاري في مصر من أزمة معقدة تتمثل في تعثر مشروعات كثيرة وتفاقم خطر الفقاعة العقارية، التي تهدد استقرار السوق العقاري والاقتصاد الوطني.
تُعزى هذه المشكلات إلى عدة عوامل أهمها البيروقراطية الحكومية المعقدة، الفوضى التنظيمية، وغياب تشريعات واضحة وثابتة تنظم السوق وتحمي حقوق المستثمرين والمشترين.
 

البيروقراطية والتعقيدات الحكومية
تعاني شركات التطوير العقاري من عراقيل بيروقراطية شديدة تعطل إصدار التراخيص وتسجل العقارات، وتطيل إجراءات التعامل مع الجهات الحكومية، وهو ما يعرقل تنفيذ المشاريع في وقت مناسب. يفيد ضياء الدين فرج، رئيس مجلس إدارة شركة هوم تاون، بأن تباطؤ إجراءات التراخيص وتذبذب معدلات الفائدة البنكية تسبب في حالة من عدم الاستقرار والتشويش داخل السوق العقاري، مما يدفع المستثمرين للخوف من المخاطرة الاقتصادية.
في مصر، تستغرق عملية تسجيل العقارات شهورًا وربما سنوات، مقارنة بدول أخرى مثل الإمارات التي تنجز ذلك خلال أيام. هذا التعطيل يؤثر على قدرة المطورين على التسويق الفعال وتقليل تكلفة المشاريع.
 

الفوضى التنظيمية وغياب الكيان الموحد
يصف أحمد العتال، رئيس مجلس إدارة مجموعة العتال هولدينج، أن القطاع العقاري في مصر يعاني من غياب تنظيم حقيقى، حيث تفتقر السوق إلى "أب شرعي" يتمثل في اتحاد موحد للمطورين الإسلامي للعقار، يمكنه التنسيق وحل المشكلات المؤسسية التي تواجه الشركات. هذا الفراغ التنظيمي يدفع السوق إلى منافسة غير منظمة ومضاربة على الأسعار بدلاً من ضبط السوق بكفاءة.

سامح السيد، العضو المنتدب لشركة مصر الجديدة للإسكان والتعمير، أشار إلى أن غياب كيان موحد يمثل عقبة رئيسية أمام تطوير القطاع وخلق بيئة مستقرة وجاذبة.
 

تفاقم الفقاعة العقارية وأسبابها
رغم تأكيد بعض الخبراء على عدم وجود فقاعة عقارية مفرطة كما شهدتها دول كبرى مثل الولايات المتحدة والصين، فإن السوق العقاري المصري يواجه تحديات كبيرة. فارتفاع الأسعار الجنوني للوحدات السكنية والأراضي، ووجود طلب أكبر من المعروض الحقيقي، ينذر بتضخم مبالغ فيه في السوق.
سالي صباح، خبيرة التخطيط الاستراتيجي، أكدت أن إلغاء الحجوزات ومقدمات الشراء بسبب عدم وجود أمان في السوق، بالإضافة إلى تأخيرات مواعيد التسليم، تؤدي إلى فقدان ثقة المشترين.
وهذا يمثل خطورة على قدرة السوق على تحقيق نمو مستدام، إذ يمكن أن يؤدي تآكل قدرة المستهلك على الشراء إلى تراجع الطلب، وزيادة حالات التعثر والتخلف عن السداد.
 

الضغوط المالية وامتناع البنوك عن التمويل
يرتبط تعثر السوق أيضًا برفض البنوك تمويل المشاريع أو شراء الوحدات بأسعار مرتفعة، مع خشية من تعرض القطاع لانهيارات مالية تماثل أحداث أزمة 2008 في الولايات المتحدة. هذا أدى إلى ضعف تمويل المشاريع العقارية وزيادة الأخطار المالية على المطورين والمشترين معًا.
مدير غرفة التطوير العقاري أسامة سعد الدين أكد أن ضعف الملاءة المالية للشركات يؤدي بها لبيع الوحدات بأسعار مرتفعة ودون مقدمات، مما يشبه "التأجير التمويلي" ويزيد الضغط على المشترين.
 

غياب التشريعات الواضحة وتأنيب الحكومة
يشير الخبراء إلى غياب تشريعات ثابتة تجمع بين تسريع الإجراءات وتحسين شفافية السوق، مما يؤدي لاحتكار الحكومة لبيع الأراضي وتوجيه المشروعات نحو الفئات ذات الدخل المرتفع فقط.
كما أن القوانين التي أصدرتها الحكومة أخيرًا، رغم محاولتها للحد من الفوضى، لا تعالج الجذور الحقيقية للأزمة، بل تؤدي في بعض الأحيان إلى المزيد من الجباية والتعقيد.
 

توصيات الخبراء والحلول المقترحة
يؤكد الخبراء ضرورة تبني الحكومة لإصلاحات جوهرية ورقمنة الإجراءات لتسهيل تراخيص البناء وتسجيل العقارات، إلى جانب تثبيت أسعار الفائدة وحسم السياسات المالية.
كما يدعون إلى تأسيس اتحاد موحد للمطورين العقاريين يمثل القطاع أمام الحكومة وينسق جهود التنظيم ويوفر منصة شفافة لحل النزاعات وحماية المشترين والمستثمرين.
أهمية وضع نظام رقابي فعال للحد من المضاربات والاحتيالات في السوق العقاري تظهر واضحة لحماية سوق أكثر استقرارًا ونموًا مستدامًا.

الخلاصة أن السوق العقاري المصري يجد نفسه في مفترق طرق حرج بين رغبة التطوير والنمو، ومخاطر بيئة بيروقراطية معقدة تفتقر إلى التشريع الفعال والتنظيم المستدام. الفقاعة العقارية الناتجة عن تلك العوامل تعرقل استقرار القطاع وتهدد اقتصاده الوطني، ما يجعل التدخل السريع والحكومة الإصلاحية ضرورة ملحة لإنقاذ القطاع وتحقيق توازن يضمن حقوق جميع الأطراف.