تواجه منطقة أهرامات الجيزة التاريخية تحديًا خطيرًا نتيجة تنفيذ مشروع قطار كهربائي سريع يُعرف بـ"الخط الأخضر"، والذي سيربط بين مدينة العلمين الجديدة على الساحل الشمالي ومدينة العين السخنة على البحر الأحمر، مارًا عبر منطقة الأهرام.
هذا المشروع يُعتبر من أكبر المشاريع التنموية في مصر ويهدف لتحسين البنية التحتية ودعم السياحة، لكنه في الوقت نفسه يطرح تهديدات كبيرة على التراث الأثري في موقع مسجل ضمن التراث العالمي.

وفق تحذيرات منظمة اليونسكو والهيئات المتخصصة كإيكوموس، فإن مسار القطار يخترق جزءًا من المنطقة المحيطة بالأهرامات، وتحديداً حرم "مدينة منف" القديمة، مما يهدد الوجود الأثري الكامن تحت الأرض.
بالإضافة إلى التأثيرات البصرية والأصوات الناتجة عن البنية التحتية المصاحبة للمشروع، مثل أعمدة الكهرباء ومحطات المحولات، التي قد تؤثر على استقرار وحفظ الآثار.
 

تقليص مساحة القاهرة التاريخية: تبعات مشروع القطار ومشاريع الجيش
يشكل تنفيذ مشروع الخط الأخضر جزءًا من موجة أوسع من المشروعات التنموية التي تنفذها الحكومة المصرية وتشارك فيها جهات عسكرية بشكل ملحوظ. هذه المشاريع، التي تشمل "الممشى السياحي الخرساني" الذي يربط المتحف المصري الكبير بمنطقة الأهرامات، تؤدي إلى تقليص مساحة المناطق التاريخية والتأثير سلبًا على المشهد الأثري الطبيعي.

العديد من المواقع الأثرية والتاريخية في القاهرة القديمة تواجه خطر الإزالة أو تغييرات كبيرة في هيكلها بسبب التوسعات العمرانية والمشاريع الكبرى التي تنفذها الجيوش والشركات التابعة للدولة.
هذه التوسعات أدت إلى رفع تساؤلات حول جدوى المشروع من ناحية الحفاظ على التراث الثقافي مقابل المكاسب الاقتصادية والسياحية.
 

توازن هش بين التطوير والحفاظ
يرى الباحث والآثاري حسين عبد البصير، مدير عام منطقة الأهرامات الأسبق، أن الاعتراضات الدولية تركز خاصة على التأثيرات البصرية والمساحات التي يشغلها القطار والممشى، التي تغير من النسيج الحضاري والتاريخي للموقع.
لكن عبد البصير يشير إلى أن المنطقة التي يمر بها القطار لا تحتوي بالضرورة على آثار ظاهرة، حيث تقع عند سفح الهضبة.

من جهة أخرى، تعارض خبيرة التراث مونيكا حنا بشدة هذه المشاريع وتصف أعمال الترميم والتغير بالحرم الأثري بأنها تدخلات قد تؤدي إلى فقدان أصالة المواقع.
كما عبّر بعض العلماء مثل منصور بريك ومحمد عبد المقصود عن مخاوفهم من استخدام مواد حديثة في عملية الترميم قد تضر بالآثار أكثر مما تحميها، ويشيرون إلى أن إعادة تركيب الكتل الحجرية أمر علميًا معقد جدًا وربما مستحيل.
 

تأجيل المشاريع بعد تحذيرات عالمية
ردًا على الانتقادات والضغوط الدولية، أصدرت لجنة التراث العالمي التابعة لليونسكو في يوليو 2025 تحذيراً للحكومة المصرية لتأجيل تنفيذ مشروع الخط الأخضر والممشى الخرساني حتى نهاية عام 2026، لإتاحة الوقت لإعداد تقارير فنية متخصصة من إيكوموس تقيّم الأثر الحضاري والثقافي للمشروعين.

على الرغم من ذلك، فإن المخاوف لا تزال قائمة حول استمرارية المشاريع الكبرى التي تخضع لقرارات سياسية وعسكرية تتجاوز أحيانًا الاعتبارات الأثرية والبيئية.
 

مشاريع الجيش وتأثيرها على التراث الوطني
تشير التقارير إلى أن الجيش المصري لعب دورًا رئيسيًا في تنفيذ العديد من المشاريع التنموية في القاهرة والمنطقة المحيطة بالأهرامات، في خطوة تهدف إلى تعزيز البنية التحتية الاقتصادية والسياحية.
لكن هذه المشاريع تواجه انتقادات حادة بسبب تأثيرها على المواقع التاريخية والهويات الثقافية التي تمثلها هذه المواقع.

هناك مخاوف من أن تكون هذه المشاريع ذات أبعاد سياسية أكثر منها تنموية حضرية، وأن حقبة جديدة من تغيير طابع القاهرة التاريخية قد تؤدي إلى فقدان أجزاء لا تعوض من التراث العربي والمصري العريق.

الخلاصة تتوسط القاهرة التاريخية، وعلى رأسها منطقة أهرامات الجيزة، بين مطالبة مصر بالتحديث والإصلاح الاقتصادي وبين ضرورة الحفاظ على تراث إنساني عالمي.
مشاريع القطار الكهربائي والممشى السياحي السريع التي تنفذها جهات الدولة، مع دعم عسكري واضح، تضع التراث في خطر حقيقي، وسط تحذيرات من منظمات دولية ومجتمع أثري عالمي.

يرى الخبراء أن التحدي يكمن في تحقيق توازن حقيقي بين التنمية والحفاظ على الهوية الثقافية، وهو ما يبدو حتى الآن معقدًا وصعب التحقيق.
تبقى مراقبة هذه المشاريع من قبل المجتمع المدني والمختصين أمرًا ضروريًا لمنع المزيد من التعديات التي قد تحرم الأجيال القادمة من إرثها التاريخي والمادي.