تشهد المحادثات غير المباشرة في شرم الشيخ بين وفدي إسرائيل وحركة حماس توترًا متزايدًا، في ظل تشدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورفضه إدخال أي تغييرات جوهرية في خرائط انتشار قواته داخل قطاع غزة، إلى جانب اعتراضاته على صيغ تبادل الأسرى وإصراره على نزع سلاح المقاومة كشرط مسبق.
هذا الموقف المتصلب، بحسب مراقبين، يعزز الاتهامات لنتنياهو باتباع تكتيكات مماطلة تهدف إلى إطالة أمد التفاوض وتجنب التوصل إلى اتفاق نهائي قابل للتنفيذ.
جولة جديدة برعاية مصرية – قطرية
انطلقت الجولة الجديدة من المحادثات في مدينة شرم الشيخ برعاية مصرية وقطرية ومشاركة أمريكية، ضمن إطار خطة سلام طرحها الرئيس الأمريكي، وتركز على وقف إطلاق النار، وتبادل الأسرى، وترتيبات ما بعد الحرب.
ووصلت الوفود المشاركة في 5 و6 أكتوبر الجاري، وسط تسريبات عن مناقشة قوائم تبادل الأسرى وخطوات الانسحاب الأولي، في وقت أكدت فيه إسرائيل أنها لم تعلن وقفًا لإطلاق النار، بل “خفضت وتيرة العمليات” خلال فترة التفاوض، ما يعكس فجوة واضحة بين الشكل التفاوضي والسلوك الميداني.
محاذير نتنياهو الثلاثة
تتمثل مواقف نتنياهو في ثلاث نقاط رئيسية يرى فيها “خطوطًا حمراء”:
- رفض أي تسوية جزئية لا تنتهي إلى استسلام حماس ونزع سلاحها.
- الإصرار على الاحتفاظ بانتشار قواته في مناطق استراتيجية داخل القطاع، خصوصًا في الممرات الحدودية.
- التشدد في صيغ تبادل الأسرى لضمان بقاء أوراق القوة بيده.
ويربط محللون هذا الموقف المتشدد باعتبارات نتنياهو السياسية الداخلية، حيث يُتهم منذ شهور بإدخال مطالب جديدة في اللحظات الأخيرة لتعطيل التفاهمات أو تأجيلها، حفاظًا على تماسك ائتلافه الحاكم وتهدئة جناح اليمين المتطرف.
سجلّ من العرقلة
تاريخ المفاوضات منذ مطلع العام يُظهر نمطًا متكررًا من المماطلة:
- يناير 2024: تقارير إسرائيلية تحدثت عن تعطيل نتنياهو لمبادئ صفقة تبادل دون الرجوع إلى “كابينيت الحرب”، ما أدى إلى توتر داخلي.
- أبريل 2024: رفض وقف النار المقترح من واشنطن وأعلن نيته اقتحام رفح “سواء تم الاتفاق أم لا”.
- مايو 2024: بعد طرح الخطة الأمريكية الثلاثية لوقف الحرب، صدرت من مكتبه تصريحات تناقض ما قيل إنه وافق عليه.
- يوليو 2024: أعاد إدخال شرط بقاء القوات الإسرائيلية في “ممر فيلادلفيا”، ما أدى إلى تجميد المسار التفاوضي.
أجندة شرم الشيخ الحالية
بحسب مصادر مصرية وأمريكية، تبحث المفاوضات الحالية قوائم الأسرى، وخطوط وقف النار، وضمانات الانسحاب وتدفق المساعدات الإنسانية، على أن تستمر النقاشات الفنية عدة أيام.
وفي المقابل، كشفت تسريبات عن تعليمات من مكتب نتنياهو لوزرائه بعدم التصريح حول المحادثات، في محاولة للسيطرة على السردية الداخلية وتقليل كلفة التنازلات المحتملة. بينما تؤكد جهات إسرائيلية أن الجيش “يخفف عملياته” دون أن يعلن وقفًا رسميًا لإطلاق النار، ما يزيد الضغط على الوسطاء.
موقف المقاومة
وفد حماس دخل الجولة الحالية متوقعًا مسارًا تفاوضيًا “صعبًا ومعقدًا”، مؤكدًا تمسكه بوقفٍ مؤقت يمهّد لوقف دائم للحرب، وانسحاب إسرائيلي كامل وتبادل أسرى متوازن، مع رفض واضح لأي نقاش حول نزع السلاح أو الإبقاء على وجود عسكري داخل غزة.
وترى الحركة أن إدخال مطالب جديدة أو ربط التبادل بشروط سياسية يتناقض مع التفاهمات التي طرحها الوسطاء، ما يعمق فجوة الثقة بينها وبين حكومة نتنياهو.
خيارات ضيقة ومآلات مفتوحة
يبدو أن المسار الحالي يتقدم ببطء وحذر وسط محاولات الوسطاء تحقيق اختراق محدود في الملفات التقنية، لكن الشروط القصوى التي يطرحها نتنياهو—من نزع السلاح إلى السيطرة الميدانية—تجعل احتمالات التوصل إلى اتفاق نهائي ضعيفة في المدى القريب.
ويجمع مراقبون على أن نجاح جولة شرم الشيخ مرهون بفصل ملفات التبادل ووقف النار عن الشروط السياسية النهائية، ووضع جداول زمنية وضمانات تنفيذية واضحة.
أما في حال استمرار المراوغة الإسرائيلية، فستبقى المفاوضات تدور في حلقة مفرغة، تحت سقف أزمة مفتوحة حتى إشعار آخر.