تظاهر مئات الآلاف في قلب أمستردام ضمن مسيرة “الخط الأحمر” دعمًا لغزة وفلسطين، في واحدة من أضخم التعبئات الشعبية في أوروبا هذا العام، وسط تقديرات وصلت إلى نحو 250 ألف مشارك طالبوا بسياسة هولندية أكثر صرامة تجاه الحرب ووقف العلاقات العسكرية مع إسرائيل.

المشهد الهولندي اللافت أكّد أن زخم التضامن العالمي مع الفلسطينيين يتجاوز العواصم العربية إلى مراكز أوروبية كبرى، حيث اكتسحت الحشود الساحات باللون الأحمر رمزًا لـ“خطوط تم تجاوزها” في غزة، وفق خطاب المنظّمين وشهادات ميدانية.

 

أمستردام بلون “الخط الأحمر”
انطلقت المسيرة من ميوزيومبلين باتجاه شوارع مركزية في أمستردام لمسافة تقارب 6 كيلومترات، وارتدى المشاركون قطعًا حمراء لإبراز رسالة سياسية-أخلاقية بأن الحرب تجاوزت كل الخطوط الإنسانية في غزة، مع هتافات “فري فلسطين” و“أوقفوا الإبادة” ورايات فلسطينية غطّت الواجهات.

قدّرت وسائل إعلام هولندية ودولية الحشد بنحو ربع مليون متظاهر، فيما دعمت الشرطة تقديرات المنظّمين بحجم غير مسبوق لمسيرات متعاقبة شهدتها البلاد منذ مايو ويونيو الماضيين ضمن سلسلة تحركات “الخط الأحمر”.
أظهرت تغطيات مرئية مباشرة من ساحات أمستردام مدًّا بشريًا كثيفًا وأجواء حشود سلمية ضخمة تنادي بوقف فوري للقصف وفرض حظر تسليح وعقوبات سياسية واقتصادية لوقف الانتهاكات في غزة.


 


شعارات ومطالب واضحة
ركّزت الشعارات على وقف تصدير واستيراد السلاح مع إسرائيل، وفرض إجراءات عقابية جادة، وربط السياسات بالمسؤولية الأخلاقية والقانونية حيال الضحايا المدنيين في غزة، مع إبراز الصلة بين صناديق الاستثمار الهولندية والتعاملات العسكرية.

مشاركة واسعة لمنظمات حقوقية ونقابات وطلبة وجماعات يهودية ناقدة للسياسات الإسرائيلية منحت الحراك طابعًا جامعًا، مع تأكيد أن رفض الإبادات والجرائم لا يتناقض مع مكافحة معاداة السامية، بل ينسجم مع قيم العدالة وحقوق الإنسان.
لفتت تقارير إلى أن التوقيت يسبق انتخابات وطنية في هولندا، ما يمنح الضغط الشعبي ثقلاً انتخابيًا يحرّك البرامج الحزبية تجاه تبنّي وقف التسليح وتوسيع العقوبات.


 


سياق أوروبي متصاعد
جاءت المسيرة الهولندية ضمن موجة تظاهرات أوروبية واسعة في اليوم نفسه، من إسطنبول إلى مدن في إسبانيا وبلغاريا وتركيا، في مؤشر على اتساع قاعدة الرفض الشعبي لاستمرار الحرب وتكلفتها الإنسانية الباهظة.

تراكمت في هولندا نفسها موجات “الخط الأحمر” السابقة في لاهاي قبل شهور، وأُعيد ضخّها بقوة في أمستردام مع تعهّد المنظّمين بمواصلة الضغط حتى وقف النار وتغيير السياسات العامة تجاه الصراع.

وعلى المستوى اللوجستي، اضطرت شركات النقل إلى إضافة قطارات وخدمات متزايدة لاستيعاب الأعداد، ما يعكس الحجم الميداني للحشود وانخراطًا مجتمعيًا عريضًا عابرًا للفئات العمرية.


 


معاناة الفلسطينيين وتواصل الغارات
تزامنت التظاهرة مع استمرار الغارات الإسرائيلية على غزة خلال الأيام الأخيرة، رغم دفع سياسي نحو محادثات في القاهرة ومقترح أمريكي لإنهاء الحرب، ما أبقى حصيلة الضحايا اليومية مرتفعة وفق تحديثات دولية وإقليمية.
وأكدت تقارير ميدانية مصوّرة وإخبارية عدة أن صور الأبراج المدمّرة ونداءات المستشفيات في غزة غذّت حالة الغضب الأخلاقي في الشارع الأوروبي، لتتحوّل أمستردام إلى منصة تضامن عالمي تدعو لوقف النار فورًا ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات.

هذا التوازي بين تعثّر المسار السياسي واتساع رقعة الاحتجاجات منح الحراك بُعدًا عابرًا للحدود، وأعاد فلسطين إلى مركز مشهد تعبئة جماهيرية قلّ نظيره في أوروبا الغربية خلال العقد الأخير.
 

دلالة المشهد الهولندي
تكشف مسيرة أمستردام عن اتجاهين متلازمين:
أولاً، انتقال مركز الثقل الرمزي للتضامن مع غزة إلى عواصم ومدن أوروبية كبرى، بما يضع الحكومات تحت ضغط انتخابي واجتماعي مباشر.
وثانيًا، نضج خطاب حقوقي-مدني يربط سياسات التسليح والاقتصاد بالمسؤولية عن الجرائم والانتهاكات.

بهذا المعنى، لا تبدو أمستردام حالة معزولة، بل حلقة مركزية في موجة عالمية ترى أن إنهاء الحرب يستلزم أدوات ضغط ملموسة تتجاوز بيانات القلق، من الحظر العسكري إلى العقوبات وتقييد الاستثمارات المرتبطة بمنظومة الحرب.

وختامًا، رسّخت أمستردام موقعها كعاصمة أوروبية لصوتٍ مدني مرتفع من أجل غزة، بحشود تقدَّر بمئات الآلاف رفعت شعارات واضحة: وقف القصف فورًا، حظر التسليح، ومسار محاسبة جدّي، في رسالة مباشرة لصُنّاع القرار بأن الرأي العام لم يعد يقبل رمادية المواقف أمام المأساة الإنسانية المستمرة.