في لحظة سياسية تتسم بالجمود الداخلي والتوتر الإقليمي، خرج المجلس الثوري المصري ببيان غير تقليدي، اختار فيه أن يخاطب مباشرة جيل الشباب، وتحديدًا ما يُعرف بـ"جيل زد"، معلنًا رهانه على طاقة هذا الجيل الغاضب والمُحبط لقيادة التغيير السياسي والاجتماعي في مصر.

البيان جاء بنبرة حادة ومباشرة، تتجاوز الخطابات النخبوية المعتادة، وتضع الشباب في قلب المعركة من أجل "استعادة الكرامة والأمل"، في مشهد يعكس إدراكًا متزايدًا لدى المعارضة في الخارج بأن مستقبل السياسة المصرية لن يصنعه الشيوخ ولا الأحزاب التقليدية، بل جيل لم يعرف سوى الأزمات والخذلان.
 

خطاب موجه لجيل وُلد وسط الأزمات
يعتمد المجلس الثوري في بيانه الأخير على تحليل نفسي واجتماعي عميق لجيل الألفية وجيل "زد"، مؤكدًا أن هؤلاء الشباب لم يعودوا يبحثون عن "فرصة للحياة الكريمة"، بل يعيشون في حالة انعدام أفق كامل، بعد أن تحولت الحياة اليومية إلى صراع مرير مع البطالة، الغلاء، وانسداد الأبواب أمام الحلم بالمستقبل.

ويرى البيان أن هذا الجيل اكتسب وعيه السياسي والاجتماعي من الخبرة الرقمية والواقع المعيشي، لا من الأيديولوجيات القديمة. فقد شاهد، عبر الإنترنت، ظلم العالم، وحروب الإبادة، والفوارق الطبقية الهائلة التي تفصل بين من يملكون كل شيء ومن لا يملكون شيئًا. هذا الوعي "البكر"، كما وصفه البيان، يشكّل وقودًا لأي حراك مستقبلي، لأنه وعي يقوم على التجربة الشخصية لا على التلقين أو الخطاب السياسي الجاهز.

البيان يربط هذا الوعي بالاحتقان المتنامي داخل الشارع المصري، حيث تزايدت الفجوة بين الدولة ومواطنيها، وتلاشت الثقة في جدوى الإصلاح من الداخل، في ظل سيطرة القبضة الأمنية وتراجع مؤسسات الوساطة السياسية والنقابية والإعلامية.
 

من السوشيال ميديا إلى الشارع: الاقتداء بجيل المغرب
يستحضر المجلس الثوري في بيانه تجربة احتجاجات المغرب الأخيرة، التي قادها شباب حركة “جيل زد 212”، بوصفها نموذجًا حيًا على قدرة الجيل الجديد على تحويل غضبه الرقمي إلى حراك ميداني فعلي.

فهؤلاء الشباب – كما يقول البيان – لم يأتوا من خلفيات حزبية أو تنظيمية، بل من غرف الألعاب الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، لكنهم استطاعوا توحيد أصواتهم حول مطالب اجتماعية بسيطة تحولت لاحقًا إلى صرخة سياسية ضد الفساد وسوء الإدارة.

من خلال هذه الإشارة، يرسل المجلس رسالة واضحة إلى شباب مصر: أنتم لستم وحدكم. ما يحدث في المغرب وتونس والسودان هو جزء من موجة عالمية من الغضب الشبابي الرافض للتهميش والظلم.
إنها، بحسب البيان، “لحظة يقظة عالمية”، ينبغي على الشباب المصري أن يكون جزءًا منها، بدل الاكتفاء بمراقبتها من خلف الشاشات.

 

تحديات الواقع: الخوف والإحباط والإغلاق السياسي
ورغم الحماسة التي يبثها الخطاب، إلا أن المجلس الثوري يدرك حجم التحديات التي تواجه دعوته.

فالمناخ السياسي في مصر مغلق بشدة، والسلطة لا تسمح بأي هامش احتجاجي حقيقي، فيما يعيش الشباب حالة من الخوف والإحباط نتيجة ما تعرضت له الحركات الثورية السابقة من قمع وتشويه.
كما أن تجربة العقد الماضي تركت جروحًا عميقة في الوعي الجمعي، جعلت كثيرين يبتعدون عن السياسة باعتبارها “بابًا للمشاكل لا للتغيير”.

لكن البيان يرى أن استمرار هذا الصمت “خيانة للذات”، وأن الخوف لم يعد يحمي أحدًا، لأن الفقر والظلم والبطالة باتت تهدد الجميع، حتى أولئك الذين يظنون أنفسهم بمنأى عن السياسة.

ويشير مراقبون إلى أن خطاب المجلس الثوري يعيد فتح ملف العلاقة بين المعارضة في الخارج والشباب في الداخل، بعد سنوات من الانفصال والتباعد، مؤكدين أن هذه المبادرة تمثل محاولة لمدّ الجسور عبر اللغة التي يفهمها الجيل الجديد: لغة الإنترنت، والسخرية، والتمرد على كل ما هو رسمي ومؤدلج.
 

بين الأمل والواقعية: هل يتشكل وعي جديد؟
في ختام بيانه، دعا المجلس الثوري المصري الشباب إلى تجاوز حالة العزلة واللامبالاة، والمشاركة في “صياغة مستقبل الوطن”، معتبرًا أن التغيير لا يتحقق عبر النخب أو الزعامات التاريخية، بل عبر “جيل جديد لم يتلوث بالصراعات القديمة، ويمتلك شجاعة السؤال ومهارة التنظيم الرقمي”.

ويرى محللون أن قيمة هذا البيان لا تكمن فقط في تأثيره الفوري، بل في تحوله إلى وثيقة رمزية تعبّر عن تحول في لغة المعارضة المصرية، التي بدأت أخيرًا تتخلى عن خطابها التقليدي النخبوي، لتتبنى خطابًا أكثر شبابية، متصلًا بالواقع الاجتماعي والنفسي للأجيال الجديدة.

في النهاية، يبدو أن المجلس الثوري المصري يراهن على جيل الغضب باعتباره الأمل الأخير في كسر الجمود السياسي.
ربما لن يتحقق التغيير غدًا، لكن مجرد عودة الحديث عن الحق في الغضب والاحتجاج تمثل تحولًا مهمًا في المشهد المعارض.
إنها رسالة تقول للشباب المصري: “أنتم المستقبل، ولن يتغير شيء ما لم تبدأوا أنتم التغيير.”