منذ 2015 تضاعفت ديون مصر الخارجية بسرعة، ووصلت إلى نحو 168 مليار دولار في الربع الرابع من 2023، رقم يُظهر ذروة تراكم الاقتراض قبل سلسلة من الصفقات الكبرى.
هذه القفزة لم تُحَلّ بنهج نمو حقيقي وإنما بتكتيك تحصيل سيولة فورية عبر صفقات أرض وحقوق تطوير وبيع حصص.
صفقة الساحل الشمالي: بيع أم شراكة؟
في 23 فبراير 2024 أعلن الجانب المصري توقيع اتفاق شراكة مع جهة إماراتية بقيادة صندوق ADQ لتطوير رأس الحكمة / Ras al-Hekma بمليارات الدولارات، المبلغ الإجمالي المعلن تراوح في التغطيات بين 24 مليارًا (قيمة حقوق التطوير) و35 مليارًا إجمالاً تشمل التزامات استثمارية أوسع؛
وفي مايو 2024 أعلن رئيس حكومة الانقلاب عن تسلم شقّ ثاني بقيمة 14 مليار دولار كدفعة ثانية أو تحويلات متعلقة بالاتفاق.
هذه الأرقام تبدو مفرحة إعلاميًا للحكومة لكنها لا تجيب عن سؤالين أساسيين: من يكسب على المدى البعيد، ومن يخسر السيادة والأصول الاستراتيجية؟
هل تُقلِّص هذه الصفقات الديون فعلاً؟
نُقل أن جزءًا من المبالغ الواردة في صفقات مثل رأس الحكمة سيُحوّل كودائع أو استثمارات طويلة الأمد لا كإيراد مباشر للخزينة، علاوة على ذلك، تراجع الدين في ربع أول 2024 كان مرتبطًا بجزء من تحويلات/تصفية أرصدة وليس بإصلاح هيكلي للاقتصاد.
باختصار؛ سيولة مرحلية مقابل خصخصة أو تنازل عن موارد عامة، كما تحذّر مؤسسات دولية من أن عائدات هذه المشاريع قد تحتاج سنوات لتتحقق وقد تُحوّل إلى أرباح خاصة وخدمات محدودة الطبقة.
لم تخلُ الساحة من ردود فعل غاضبة؛ نشطاء سياسيون وصفوا الصفقة بأنها بيع لمناطق مصر الجميلة واعتبروا أن القرار اتُّخذ بعيدًا عن الشفافية العامة؛ أمثال الممثل المعارض عمرو واكد تساءل كيف يملك أحد الحق في بيع السواحل المصرية، فيما دعا محللون غربيون وعرب إلى دراسة أثر هذه الصفقات على المدى البعيد وحقوق السكان المحليين.
باحثون ومنظمات إعلامية وصفوا العملية بأنها جزء من اتجاه أوسع لتحويل الأراضي العامة إلى منتجعات نخبوية تلائم رؤوس الأموال الخليجية.
حكومة الانقلاب تصرّح أن الدولة تحتفظ بحصة (ذكرت مصادر أن الحكومة ستحافظ على نحو 35% في بعض صفقات التطوير) وأن الصفقات تأتي لجلب دولارات وتحفيز النمو، ومع ذلك تثير طريقة التعاقدات أسئلة قانونية حول مدفوعات مُقيدة، تحويل ودائع بنوكٍ أجنبية إلى استثمارات، ومدى صحة إجراءات تخصيص الأراضي.
تقارير مصرف مصر المركزيّ تُشير إلى أن خدمة الدين الخارجي قفزت إلى مستويات قياسية (بما في ذلك مدفوعات فوائد وسداد أصل القروض) مما يجعل الاعتماد على صفقة أو صفقتين حلاً قصير المدى وليس سياسة مستدامة.
الأرقام.. ماذا تعني للمواطن العادي؟
- 168 مليار دولار: تقريبًا حجم الدين الخارجي بنهاية 2023/ بدايات 2024، رقم ضاغط على الموازنة والليرة.
- 14 مليار دولار: دفعات مُعلنة وصلت في إطار صفقة رأس الحكمة (مايو 15، 2024).
- مدفوعات خدمة الدين ارتفعت وأثّرت على عجز الموازنة الذي توقّعته جهات دولية أن يتسع، مما يجعل الحكومة تلجأ لتنازلات مؤقتة مقابل تمويل خارجي.
ماذا تبقى في مصر لم يُبِع؟
تُشير التغطيات والتحليلات إلى أن ما تبقّى من سواحل وممتلكات عامة ذات قيمة استراتيجية بدأ يتقلص، وأن الخزانة لجأت إلى موارد أرضية محدودة كانت تُعتبر من المقدسات الوطنية اقتصادياً وبيئيًا.
سؤال ماذا بقي؟ ليس مجرد مثلبة بل تساؤل عن مستقبل السيادة الاقتصادية؛ إذا استمرّت التسويات وبيع الحقوق، ستتحوّل موارد الجمهور إلى أصول تدار خارج الرقابة الوطنية.
خلاصة تقييمية.. حلّ مؤقت أم تفريط دائم؟
الاستحواذات والاستثمارات الخليجية الكبرى في الساحل الشمالي قد تمنح الحكومة سيولة مؤقتة وتخفف بعض ضغوط السيولة الخارجية، لكنّها ليست بديلاً عن إصلاحات اقتصادية حقيقية: زيادة موارد صادراتية، إصلاح نظام تحصيل الضرائب، ترشيد الإنفاق ودعم نمو القطاع الخاص المنتج، بدون هذه الإصلاحات، ستبقى مصر مدينة للأموال وتحكمها عقود طويلة الأمد تخضع لشروط مستثمرين أجانب أو صناديق سيادية.