في خطوة أثارت جدلًا واسعًا حول مستقبل الأمن القومي المصري، أعلنت شركة الاتصالات المصرية عن موافقتها على بيع 80% من مركز البيانات الرئيسي في مصر إلى شركة بريطانية، مقابل صفقة بلغت قيمتها نحو 260 مليون دولار. يأتي ذلك بعد سنوات قليلة من تباهي عبد الفتاح السيسي بإنشاء هذا المركز باعتباره "عقل مصر الإلكتروني"، ومشروعًا استراتيجيًا يرمز إلى دخول الدولة عصر التحول الرقمي. غير أن بيع غالبية ملكية المركز يثير مخاوف حقيقية تتعلق بالسيادة الوطنية، وحماية بيانات المصريين، والتبعات الاقتصادية والسياسية لهذه الخطوة.
 

شركة بريطانية وسط شكوك بارتباطها بإسرائيل
أثارت هوية الشركة البريطانية المستحوذة على 80% من مركز البيانات تساؤلات واسعة في الأوساط السياسية والإعلامية. فقد رجّح محللون أن تكون هذه الشركة مجرد واجهة استثمارية لجهات مرتبطة بإسرائيل، الأمر الذي يرفع منسوب القلق بشأن مصير البيانات القومية للمصريين. ويرى خبراء أن أي ارتباط محتمل مع إسرائيل يعني أن بيانات الدولة، من سجلات حكومية إلى معلومات المواطنين، قد تصبح عرضة للاستخدام أو الاستغلال خارج إطار السيادة المصرية، بما يمثّل خرقًا مباشرًا للأمن القومي.
 

خلفية المشروع: من "عقل مصر الإلكتروني" إلى البيع
حين افتُتح مركز البيانات الضخم قبل سنوات، وصفه الرئيس المصري بأنه "إنجاز قومي غير مسبوق"، مؤكدًا أن الهدف هو بناء قاعدة معلوماتية مركزية تخدم جميع قطاعات الدولة، وتضمن التخطيط السليم للتنمية، وتحمي البيانات القومية. وقد رُوِّج للمركز باعتباره صرحًا يواكب التطورات العالمية في الحوسبة السحابية، ويجعل مصر لاعبًا إقليميًا في مجال تخزين وإدارة البيانات.
لكن سرعان ما تبددت هذه الصورة بعدما كشفت شركة الاتصالات، المالكة للمركز، عن صفقة بيع الحصة الأكبر منه لصالح شركة بريطانية غامضة الخلفية، وسط تساؤلات عن دوافع البيع، وتداعياته على مستقبل الدولة الرقمي.
 

مخاوف أمنية وسيادية
يرى خبراء أن هذه الصفقة تمثل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي المصري، حيث إن ملكية 80% من مركز البيانات تعني سيطرة شبه كاملة للشركة الأجنبية على البنية التحتية للمعلومات في البلاد.
ويتخوف مراقبون من أن يسمح الاستحواذ الجديد للشركة الأجنبية بالوصول إلى:

  • البيانات الحكومية الحساسة الخاصة بالمؤسسات والوزارات.
  • البيانات الشخصية للمواطنين، بما في ذلك السجلات الصحية والتعليمية والمالية.
  • المعاملات الاقتصادية، وبيانات البنوك والقطاع الخاص.
     

تداعيات اقتصادية وارتفاع مرتقب للأسعار
إلى جانب المخاطر الأمنية، تثير الصفقة قلقًا اقتصاديًا واسعًا. إذ يتوقع محللون أن يؤدي دخول شركة أجنبية مسيطرة إلى:

  • رفع أسعار الخدمات المعلوماتية المقدمة للمؤسسات والشركات المصرية، بحجة إعادة هيكلة الاستثمارات.
  • فتح المجال أمام شراكات مع شركات أخرى قد تفرض رسومًا باهظة مقابل إتاحة البيانات.
  • إضعاف قدرة الحكومة على التحكم في أسعار السوق الرقمية، ما ينعكس على المواطنين والقطاع الخاص.

بهذا، تتحول البيانات — التي هي "نفط المستقبل" — إلى أداة في يد شركة أجنبية قد تستخدمها لتحقيق أرباح على حساب مصالح المصريين.
 

تكرار لنموذج بيع المشاريع القومية
الصفقة ليست معزولة عن مسار اقتصادي وسياسي أكبر، يتسم ببيع الأصول والمشاريع التي سبق أن تباهت بها السلطة المصرية. فقد تكررت نفس الصورة في:

  • العاصمة الإدارية الجديدة، حيث بيعت مساحات وأصول لمستثمرين أجانب.
  • مشروع المونوريل، الذي جرى التفاخر به كمشروع قومي، قبل أن تدخل فيه شركات أجنبية بملكية واسعة.
  • مشاريع عقارية وسياحية تم تفويتها لصالح مستثمرين خارجيين مقابل العملة الصعبة.

بهذا، يرى الخبراء أن النظام الحاكم يتعامل مع إنجازاته المعلنة باعتبارها سلعًا تُعرض للبيع لمن يدفع أكثر، بغض النظر عن رمزيتها الوطنية أو أهميتها الاستراتيجية.
 

"السيسي يبيع كل شيء"
كما اعتبر الخبراء أن الصفقة دليلاً إضافيًا على ما يوصف بـ "إفلاس النظام"، مؤكدين أن ما يحدث يكشف عمق الأزمة المالية التي تعيشها الدولة، حيث تبحث الحكومة عن أي مورد للعملة الصعبة، حتى لو كان الثمن هو التفريط في مفاتيح سيادة مصر الرقمية.
 

مخاطر مستقبلية: فقدان السيطرة على "عقل الدولة"
يمثل مركز البيانات العمود الفقري للتحول الرقمي، وهو بمثابة "دماغ الدولة" الذي يجمع ويخزن ويحلل معلوماتها.
ومع فقدان السيطرة عليه، تصبح الدولة المصرية في موقع التابع لا المتحكم، حيث:

  • لن تتمكن من ضمان حماية بياناتها إذا قررت الشركة المالكة مشاركتها مع أطراف ثالثة.
  • ستفقد جزءًا من استقلالها في إدارة البنية التحتية الرقمية.
  • سيُحرم المواطن المصري من الاطمئنان إلى أن بياناته الشخصية في أيدٍ وطنية.

وفي النهاية فصفقة بيع 80% من مركز بيانات مصر ليست مجرد صفقة تجارية، بل هي قرار استراتيجي يضع مستقبل الأمن القومي المصري على المحك. وبينما تصفه الحكومة بأنه خطوة للاستثمار وجذب رؤوس الأموال، يراه خبراء وناشطون خطوة خطيرة تهدد سيادة الدولة، وتؤكد أن النظام يفرّط في أصوله الاستراتيجية مقابل المال.

لقد كان المركز قبل سنوات رمزًا لحداثة الدولة، واليوم يتحول إلى شاهد على مسار بيع كل ما هو قومي واستراتيجي.