كشفت مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، بالتعاون مع منظمة Forensic Architecture البريطانية، عن وجود مقبرة جماعية جنوب مدينة العريش تضم مئات الجثامين، يُرجح أنها تعود لمدنيين قُتلوا خارج نطاق القانون خلال الحرب ضد تنظيم "ولاية سيناء" بين 2013 و2022. التقرير، الذي حمل عنوان "قتلوا بدم بارد"، وصف هذه الجرائم بأنها ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
 

تفاصيل المقبرة وتحليل الأدلة
التقرير وثّق وجود رفات تعود إلى 36 ضحية بشكل مباشر، بينما تُشير الأدلة إلى أن الموقع يحتوي على أكثر من 300 جثة.

الضحايا دُفنوا بملابسهم المدنية، وبعض الجماجم أظهرت وجود عصابات للعين، ما يتطابق مع مقاطع مصورة لعمليات إعدام خارج القانون.

صور الأقمار الصناعية بين 2005 و2023 كشفت عن تحصينات عسكرية متزايدة منذ 2013، وأنشطة دفن متكررة خصوصاً بين 2015 و2017.

فريق البحث استعان بتقنية إعادة البناء ثلاثي الأبعاد لتحديد مواقع الدفن وربطها بالشهادات الميدانية.
 

شهادات من الداخل
اثنان من عناصر الميليشيات الموالية للجيش أكدوا أنهم نقلوا معتقلين إلى الموقع، دون المشاركة المباشرة في القتل.

14 شاهد عيان من الأهالي قدّموا روايات عن إعدامات ميدانية، بعضها شمل أطفالاً.

أحد الشهود، الذي عمل في معسكرات الاعتقال، قال: "كلمة مني كانت قد تنهي حياة بني آدم أو تحييه".
 

سياق أوسع لانتهاكات شمال سيناء
التقرير يوثق آلاف حالات القتل خارج القانون التي صُوّرت على أنها "اشتباكات مسلحة".

المؤسسة رصدت 5,053 قتيلاً صنفتهم السلطات كـ"عناصر إرهابية"، واعتقال 14,837 آخرين، رغم أن تقديرات مستقلة قدّرت عدد مقاتلي "ولاية سيناء" بما لا يتجاوز 1,500 عنصر حتى 2018.

الانتهاكات لم تقتصر على القتل، بل شملت الاعتقال التعسفي، الإخفاء القسري، التعذيب، والتهجير القسري.
 

ردود حقوقية دولية
عقب نشر التقرير، طالبت تسع منظمات حقوقية مصرية بمنع مصر من الفوز بعضوية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة للفترة 2026-2028، معتبرة أن انتخابها سيكون "مكافأة على الانتهاكات".

المنظمات، بينها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان والمفوضية المصرية للحقوق والحريات، وجهت رسائل مباشرة إلى الدول الأعضاء وإلى المفوض السامي لحقوق الإنسان، مطالبة بـتحقيق دولي عاجل.

مدير مكتب جنيف بالمركز، جيرمي سميث، قال: "الأدلة القوية المتوفرة تحتم استبعاد مصر من المجلس وحرمانها من حق التصويت فيه".
 

البعد القانوني الدولي
الانتهاكات ترقى إلى جرائم حرب لأنها وقعت في سياق نزاع مسلح، كما قد تشكّل جرائم ضد الإنسانية إذا اعتُبرت سياسة ممنهجة من الدولة.

"بروتوكول مينيسوتا" الصادر عن الأمم المتحدة ينص على وجوب التحقيق في كل حالة وفاة يشتبه بأنها غير مشروعة، حتى في غياب شكوى رسمية.

الحق في معرفة الحقيقة لا يقتصر على أهالي الضحايا، بل يمتد إلى المجتمع ككل.
 

دعوات للمساءلة ووقف الدعم العسكري
مؤسسة سيناء طالبت بالإفراج عن المعتقلين بلا أدلة، والكشف عن مصير المختفين قسرياً، وإغلاق مقرات الاحتجاز غير الرسمية.

دعت المجتمع الدولي إلى وقف تصدير السلاح والمساعدات العسكرية لمصر حتى تتوقف الانتهاكات ويتم التحقيق في الجرائم.

المدير التنفيذي للمؤسسة، أحمد سالم، أكد: "الجرائم المرتكبة لا يمكن أن تكون أساساً لعدالة أو لأمن حقيقي. الحقيقة والعدالة وحدهما قادرتان على تضميد الجراح".

https://sinaifhr.org/show/625