مصطفى عبد السلام
رئيس قسم الاقتصاد في موقع وصحيفة "العربي الجديد"
هل وصل سعر الذهب إلى القمة وبلغ ذروته بعد أن كسر حاجز الـ 3800 دولار اليوم الثلاثاء، ما هو الموعد المناسب للشراء، هل نشتري الآن قبل أن يواصل السعر قفزاته القياسية، أم ننتظر بعض الوقت فربما ينخفض السعر في الفترة المقبلة، متى موعد موسم جني الأرباح، وهو الموعد الذي تلتقط فيه الأسعار أنفاسها وتتوقف، ولو مؤقتاً، عن ماراثون الصعود، ما هي الأسباب التي تقف وراء تلك الأسعار الصاروخية التي تعد الأعلى في تاريخ المعدن الأصفر على الإطلاق، هل الفضة والعملات الرقمية تعد بديلاً للذهب بعد أن استأسدت أسعاره؟
عشرات الأسئلة التي يطرحها المضاربون الجدد في سوق الذهب وربما المضاربون الحاليون الذين يريدون شراء مزيد من المعدن النفيس، بعد أن حققوا مكاسب ضخمة في الفترة المقبلة تفوق تلك التي حققها نظراؤهم من المستثمرين والمدخرين في أدوات الاستثمار الأخرى، سواء كانت ودائع مصرفية أو سندات وأذون خزانة أو بورصة الأوراق المالية أو حتى العقارات والنقد الأجنبي مثل الدولار.
المؤكد أنه لا أحد يمتلك إجابة حاسمة عن تلك الأسئلة، لكن ما هو أقرب إلى الاحتمال هو أن أسعار الذهب ستواصل قفزاتها في الفترة المقبلة، والأسباب كثيرة، لا أتحدث هنا فقط عن السبب المتعلق بخفض سعر الفائدة على الدولار وتراجع قيمة العملة الأميركية، وهو سبب مهم، ولا أتحدث عن كون الذهب أكثر أدوات الاستثمار أمناً، وأن الطلب عليه عالمي يزيد على العرض، لكن أتحدث عن أسباب جوهرية تتعلق بالظروف السياسية والاقتصادية التي يمر بها العالم، وما يتردد عن تراجع الهيمنة الأميركية المتفردة وعملة الدولار لصالح قوى أخرى، منها الصين والهند، تحت ضغط الأزمات الاقتصادية والشعبوية التي تعاني منها الولايات المتحدة.
كما أن هناك وجود تغيرات ملحوظة في تركيبة احتياطيات الدول من النقد الأجنبي، فحصة الدولار داخل تلك الاحتياطيات تتراجع لصالح عملات أخرى وأنظمة المقايضة، والدول باتت أكثر تفضيلاً لحيازة الذهب مع قرار دول الغرب تجميد نصف احتياطيات روسيا من النقد الأجنبي، وبما يزيد عن 300 مليار دولار من أصل 640 مليار دولار، وهو القرار الذي أثار الذعر لدى العديد من الدول من إقدام الولايات المتحدة وأوروبا على تكرار السيناريو وتجميد الاحتياطيات الأجنبية لديها في حال وجود خلاف سياسي أو حتى عسكري كما جرى مع موسكو عقب اندلاع حرب أوكرانيا في فبراير 2020.
وبعدها وجدنا تدافعاً من العديد من البنوك المركزية العالمية نحو شراء أطنان من الذهب، الصين وتركيا وسنغافورة وبولندا والهند وأوزبكستان وكازاخستان والعراق وتايلاند تقف في مقدمة تلك الدول، زاد هذا التوجه عقب اندلاع الحرب التجارية الأميركية التي قادها دونالد ترامب ضد شركاء الولايات المتحدة، وما أثارته تلك الحرب من انقلاب في خريطة التجارة الدولية وتحركات السلع والإمدادات وسلاسل التوريد.
كذلك ولّدت زيادة المخاطر حول العالم انطباعاً لدى معظم الدول أن العالم يتجه نحو مزيد من التصعيد والتوتر وزيادة منسوب المخاطر الجيوسياسية والاقتصادية والمالية، وأن الحروب في غزة وأوكرانيا ستستمر أكثر مما هو متوقع لها، وأن الولايات المتحدة أو روسيا قد تفتحان جبهات صراع جديدة، سواء في تايوان أو شرق أوروبا، وأن اختراق مقاتلات ومسيّرات روسية المجال الجوي لدول أعضاء في حلف الناتو يعد جرس إنذار للجميع، وأن عودة المواجهة بين إيران وإسرائيل هو احتمال قائم، وأن توسيع إسرائيل دائرة المواجهة مع دول أخرى في المنطقة سيناريو محتمل.
لكل هذه الأسباب وغيرها من المتوقع أن يواصل سعر الذهب الارتفاع، لكن ما هو الموعد المناسب والمثالي للشراء، اليوم أم غدا أم الشهر المقبل أم في العام المقبل؟
لا أحد يمتلك الإجابة الدقيقة، لكن النصيحة العامة هي أن الشراء في 2025 أفضل من الشراء في 2026.