أعلنت وزارة النقل مؤخرًا عن إعادة فتح الطريق الإقليمي جزئيًا بعد فترة من الإغلاق بسبب سلسلة من الحوادث المتكررة التي شهدها الطريق خلال الأشهر الماضية.
ويعد هذا القرار خطوة مرحلية تستجيب جزئيًا لمطالب الأهالي الذين عانوا من صعوبات كبيرة نتيجة الإغلاق المستمر، حيث أدى توقف الحركة على الطريق إلى تعطيل مصالحهم اليومية وتكبيد الاقتصاد المحلي مليارات الجنيهات.
كما أثار الإغلاق المتكرر للطرق جدلًا واسعًا حول مستوى الفساد وسوء التخطيط في تنفيذ مشاريع الطرق، وتعرضت الحكومة وعبد الفتاح السيسي ووزير النقل كامل الوزير لانتقادات شديدة من قبل المواطنين ووسائل الإعلام.
ويرتبط هذا الجدل ارتباطًا وثيقًا بالهدر المالي في مشروعات تطوير الطرق، والذي يبدو أنه ينعكس بشكل مباشر على معدلات الحوادث وسلامة المواطنين.
إحصاءات وأرقام كارثية
تشير التقارير الرسمية إلى أن الطريق الإقليمي كان مسرحًا لعدد كبير من الحوادث اليومية، حيث يبلغ متوسط الحوادث اليومية حوالي 3 إلى 5 حوادث، فيما يصل عدد الحوادث الشهرية إلى نحو 90 حادثة، في حين سجلت الإحصاءات السنوية أكثر من 1,000 حادث.
هذه الحوادث أسفرت عن مئات الإصابات وآلاف المتضررين، مع تسجيل ما يقارب 150 حالة وفاة سنويًا على هذا الطريق وحده.
وتشير البيانات إلى أن المحافظات الأكثر تضررًا من هذه الحوادث تشمل محافظات الوجه البحري والجنوب، حيث يمر الطريق الإقليمي عبر مناطق مكتظة بالسكان ويعاني من ازدحام مروري مستمر، ما يزيد من خطورة الحوادث.
أما من الناحية المالية، فتشير التقديرات إلى أن تكلفة تطوير الطرق المغلقة أو المنهارة تتراوح بين 5 إلى 10 مليارات جنيه سنويًا، وهو مبلغ ضخم يعكس حجم الاستثمار المطلوب لتأمين البنية التحتية للطرق.
مقارنة بين الأموال المصروفة والنتائج الفعلية
رغم ضخ الحكومة لمليارات الجنيهات في تطوير وصيانة الطرق، إلا أن الواقع على الأرض يظهر فجوة كبيرة بين الأموال المصروفة والنتائج الفعلية.
فالأموال التي أنفقت على تطوير الطريق الإقليمي لم تُترجم بشكل ملموس إلى تحسين مستوى السلامة المرورية أو تقليل الحوادث.
ويشير الخبراء إلى أن التخطيط غير الجيد، وعدم الالتزام بالمعايير الهندسية، وسوء إشراف الجهات المسؤولة على تنفيذ المشروعات، كلها عوامل أسهمت في استمرار حوادث الطرق رغم ضخ الأموال الطائلة.
انتقادات محددة لتطوير الطرق وأثرها على السلامة
من أبرز الانتقادات التي وُجهت لوزارة النقل والحكومة تتمثل في الآتي:
- سوء جودة التنفيذ: حيث تم رصد استخدام مواد غير مطابقة للمواصفات في بعض مشاريع الطرق، ما أدى إلى انهيار أجزاء من الطريق بشكل متكرر.
- غياب الصيانة الدورية: فحتى الطرق التي تم تطويرها تعاني من إهمال الصيانة، مما يزيد من خطر الحوادث.
- التخطيط غير المستدام: لم تُراعَ في تصميم الطريق الإقليمي معايير السلامة المرورية الحديثة، بما في ذلك تقسيم المسارات، وإنشاء ممرات للطوارئ، وإشارات التحذير.
- الهدر المالي والفساد: هناك مؤشرات على استغلال الأموال المخصصة للمشاريع في أشكال فساد مختلفة، وهو ما انعكس مباشرة على عدم تحقيق الأهداف المرجوة من تطوير الطرق، خاصة خفض معدلات الحوادث.
وختاما فإنه يمكن القول إن إعادة فتح الطريق الإقليمي جزئيًا خطوة ضرورية لتخفيف المعاناة عن المواطنين، لكنها ليست حلاً كافيًا لمشكلة الحوادث المتكررة والهدر المالي الكبير.
إن العلاقة بين الأموال المصروفة وسلامة الطرق تظهر فجوة واضحة بين الطموح المالي والنتيجة العملية، وهو ما يطرح تساؤلات حول جدوى إدارة مشروعات البنية التحتية في البلاد.
الهدر المالي في تطوير الطرق ليس مجرد قضية اقتصادية، بل له انعكاسات مباشرة على حياة المواطنين وسلامتهم، فكل جنيه مهدور في مشاريع غير فعالة يعادل زيادة محتملة في عدد الحوادث والوفيات والإصابات.
ومن ثم، فإن الإصلاح الحقيقي يتطلب رقابة صارمة على مشروعات الطرق، والالتزام بالمعايير الهندسية، والتخطيط المستدام، لضمان أن تتحقق الأموال المصروفة في النهاية منافع حقيقية تعزز السلامة المرورية وتحد من الخسائر البشرية والمادية.