في 15 أكتوبر 2024 قدّمت شركة الألبان الدنماركية Arla Foods عرضًا غير ملزم للاستحواذ على حصة أغلبية في شركة “الصناعات الغذائية العربية (دومتي)” بقيمة إجمالية تقارب 8.9 مليار جنيه مصري (سعر سهم مقترح 31.48 جنيه للسهم)، ما أثار موجة تفاؤل قصيرة الأمد في سوق الأسهم المصرية.

لكن بعد ستة أشهر، وفي أبريل 2025، توقّف العرض بعدما أعلنت دومتي عن نيتها فصل أنشطتها (تقسيم الشركة إلى كيان ألبان وعصائر وآخر للمخابز)، ما دفع أروقة الصفقة إلى التجمّد وإلى إرجاء أو إلغاء العرض المبدئي.
 

فصل الأعمال يطيح بصفقة مُبلّغة
قرار إدارة دومتي بفصل نشاطاتها أعلنته الشركة في ربيع 2025 كآلية لتعظيم قيمة كل نشاط، لكن عمليًا أدى هذا القرار إلى تعطيل مسار الفحص القانوني والمالي الذي تحتاجه Arla لاتمام صفقة الاستحواذ أو تقديم عرض استحواذ ملزم.

النتيجة:  Arlaقالت إنها غير قادرة على إتمام إجراءات “العناية الواجبة” حتى تتضح حدود الاندماج/الانفصال، وهو ما أرجأ بل ألغى عمليًا تقديم عرض إلزامي لشراء الحصص، هذا الانقسام أجّل الحسم وسلّط الضوء على تناقضات استراتيجية المالكين المحليين علنًا.

وفي هذا السياق فقد شهدت شركة الصناعات الغذائية العربية "دومتي"، إحدى كبرى الشركات المصرية في قطاع الأغذية، تقلبات مالية حادة أبرزها تراجع أرباحها بنسبة 93% خلال الربع الأول من عام 2025 مقارنة بعام 2024، مقابل أرباح قياسية في سنوات سابقة.

هذا الانهيار المالي العقيم يتزامن مع صفقة استحواذ مثيرة للجدل من قبل شركة دنماركية بقيمة 183 مليون دولار، ما أثار تساؤلات حول مصير الشركة، دوافع الصفقة، وعلاقاتها بالوضع الاقتصادي السياسي الحالي في مصر.
 

أسباب انهيار دومتي
السبب الرئيسي لتدهور أوضاع دومتي كما صرح نائب رئيس مجلس الإدارة محمد عمر الدماطي، هو خطة إعادة هيكلة شاملة تمر بها الشركة منذ بداية 2025، تتضمن:

  • الفصل بين قطاعات المخبوزات والأجبان والعصائر، مما أدى إلى خروج عدد كبير من الموزعين المشتركين، وتراجع الكميات المباعة خاصة خلال مارس 2025.
  • زيادة كبيرة في المصروفات التسويقية للدفاع عن وضع الشركة في السوق المصري، ومواجهة الحملات الإعلامية والدعائية للمنافسين.
  • تراجع صافى المبيعات تابع لتحديات السوق وأزمة ارتفاع أسعار الخامات.

نتج عن هذه الإجراءات تراجع أرباح الشركة من 153.32 مليون جنيه إلى 10.59 مليون جنيه في الربع الأول 2025، بانخفاض أكثر من 90%، رغم أن الشركة سجلت مبيعات لا بأس بها بلغت حوالي 2.25 مليار جنيه في نفس الفترة.
 

تداعيات اقتصادية وسياسية
هذا التدهور الملحوظ في أرباح دومتي يعكس أزمة أعمق تعاني منها الشركات الكبرى في مصر تحت ضغط سياسات الاقتصاد الحكومي الراهن، وتعقيدات إدارة السوق، إذ خلقت هذه الظروف ضغوطًا متواصلة أدت إلى تخارج بعض الشركات أو استعدادها لبيع حصصها للمستثمرين الأجانب، كما حصل في حالة دومتي.
 

الصفقة المثيرة للجدل
في أكتوبر 2024، أعلنت شركة دنماركية عرضها الاستحواذ الكامل على دومتي بمبلغ 183 مليون دولار، لكن الصفقة ارتبطت بسلسلة من الجدل والتساؤلات، خاصة بعد استبعاد قطاع المخبوزات من الصفقة، وهي من أكبر قطاعات الشركة، في قرار غير مفسر بدقة.

وجّه اقتصاديون وسياسيون انتقادات حادة للمسؤولين على خلفية ما وصفوه "صفقة بيع لأصول مصرية في قطاع استراتيجي" في ظل أزمة اقتصادية خانقة وغياب الرقابة الكافية.

ربط البعض هذه الصفقة بسياسات مالية تهدف إلى خصخصة قطاعات حيوية بأقل الكلفة، بينما واجه آخرون مخاوف بشأن تهرب الشركة واستثمارها بالخارج مع تراجع الحصة المحلية.

في 15 أكتوبر 2024 أعلن محمد الدماطي، نائب رئيس مجلس إدارة دومتي والعضو المنتدب، أنّ دومتي تلقت عرضًا غير ملزم من شركة Arla Foods الدنماركية، بشراء غالبية أسهمها بسعر 31.48 جنيهًا للسهم ما يعادل قيمة إجمالية نحو 8.897 مليار جنيه مصري.

وأضاف الدماطي أنه “في كل الأحوال ستظل عائلة الدماطي مستمرة في الشركة، وسيظل الدماطي على رأس الإدارة التنفيذية.”

وذكر أيضاً أنّ عرض آرلا يعكس ظلم التسعير السوقي لشركة دومتي على مدار 8 سنوات من طرحها بالبورصة".

من جهة  Arla Foods أعلنت الشركة أنّه بسبب تغير هيكل الشركة بعد قرار الانقسام، “يتعذّر عليها استكمال إجراءات الفحص النافي للجهالة” حتى تُكمل دومتي إجراءات التقسيم.
 

بيانات مالية وملكية
الأداء المالي والتوسع

  • أرباح دومتي لعام 2024 بلغت 501.17 مليون جنيه، مقارنة بـ 454.43 مليون جنيه في عام 2023، مع احتساب حقوق الأقلية.
  • المبيعات ارتفعت إلى 9.22 مليار جنيه في 2024، مقابل حوالي 7.5 مليار في 2023
  • الشركة في 2024 حصلت على تسهيلات ائتمانية بلغت 2.1 مليار جنيه، مقارنة بـ 1.4 مليار في 2023.
  • استثماراتها في خطوط إنتاج جديدة (العصير، اللبن، المخبوزات، الأطعمة) تجاوزت 160 مليون جنيه.


توزيعات الأرباح

  • التوزيع السنوي لسهم دومتي عن عام 2025 تم بتوزيع نقدي بواقع 0.85 جنيه للسهم.
  • العائد من توزيعات الأرباح حوالي 4.29٪ وهو أقل من متوسط القطاع الذي يُقدَّر بـ 5.47٪ تقريبًا.

الأداء التاريخي ومؤشرات الأولية قبل الأزمة

  • في 2018، حققت دومتي صافي أرباح قدرها 154.626 مليون جنيه مقابل 61.52 مليون في 2017، أي ارتفاع بنحو 151.3٪.
  • مبيعات 2018 كانت حوالي 2.589 مليار جنيه مقارنة بـ 2.253 مليار في 2017.


من يملك ومن يتأثر؟
المساهمون الرئيسيون في دومتي هم من العائلات والمستثمرين الأجانب/ المحليين: من بينهم عائلة الدماطي التي تحتفظ بجزء من الأسهم، وشركات مثل Expedition Investments، International Dairy Investment، Trevi Holding، ويحيي بن محمد بن عوض بن لادن.

وفق تقرير “BDO كيز” لتحديد القيمة العادلة للسهم الصادر في 5 سبتمبر 2022، يُستخدم تحليلات داخلية وخارجية لتقييم دومتي ضمن السوق المصري، مما يدلّ على وجود تقييم مستقلّ من قبل مستشار مالي.

ثانيًا، يجري العمل على تقسيم الشركة إلى شركتين: الشركة القاسمة ومنقسمة، وهو ما يغيّر خطط الملاك والمستثمرين، ويُثني عن سرعة تنفيذ الصفقة.
 

آثار تقسيم الشركة والصفقة المعلقة: لماذا توقّفت الإجراءات؟
قرار الانقسام يُعدّ “تغيرًا جوهريًا في هيكل الشركة”، مما استلزم إعادة صياغة عقود الصفقة، وتعطيل الفحص النافي للجهالة من الطرف Arla حتى تنتهي دومتي من الانقسام.

عندما أعلنت الشركة في أبريل 2025 موافقتها مبدئيًا على الانقسام، تأثّر سعر سهمها في البورصة؛ فمثلاً في جلسات 13 أبريل 2025 تراجع السهم بنحو 3.26 %  ليغلق عند 22.88 جنيه، مقابل 23.65 جنيه في الجلسة السابقة.
 

هل هناك انهيار فعلي لـ "دومتي"؟
الأرقام المالية تُظهر استمرار الربحية والنمو السنوي في المبيعات، بل واتساع الصادرات والتسهيلات الائتمانية، وهذا يُناقض فكرة أن الشركة انهارت بالكامل.

لكن الانخفاضات في هامش الربح الفعلي بعد التكاليف، والتعرض لضغوط التضخم، تكاليف الطاقة، وتذبذبات صرف العملة، تجعل الشركة في موقف هشّ، وليست مستقرّة كما بدا في سنوات ما قبل 2022
 

هل تهرب دومتي من مصر؟
إذا كان المقصود هروب اقتصادي أو تقليدي (سحب استثمار، تفريغ أصول، شطب من البورصة)، فهناك مناقشات بالفعل حول شطب اختياري لأسهم الشركة من البورصة بعد الاستحواذ المحتمل، لكن حتى الآن لا توجد خطوات تنفيذية معلنة.

تتناول تقارير اقتصادية حديثة ظاهرة "هروب الشركات الكبرى من مصر"، شملت دومتي وشركات أخرى في قطاعات مختلفة.
 

فما أسباب هروب الشركات الكبرى من مصر؟

  • تعقيدات الحصول على الدولار المطلوب لتمويل الاستيراد والتصنيع.
  • بيئة استثمارية وصعوبات تشغيل وزيادة الضغط الضريبي.
  • تحركات لإعادة تموضع الشركات وتحويل ملكياتها إلى مستثمرين أجانب.

من الملاحظ أن العائلة المالكة في دومتي تدرس زيادة حصتها في الشركة، لكنها في نفس الوقت تتحرك ضمن سياق استثمارات أجنبية ومفاوضات مع مستثمرين دنماركيين لتخفيف المخاطر السياسية والاقتصادية.
 

ماذا نستنتج؟

  • دومتي ليست منهارة مالياً، لكنها في أزمة ثقة استثمارية؛ الانقسام وعدم وضوح شروط الاستحواذ أبرز أسباب تعثّر الصفقة.
  • البيئة الاقتصادية والسياسات الحكومية (سعر الصرف، التضخم، السياسات الضريبية والتمويلية) زادت الأعباء على الشركات مثل دومتي مما أجبرها على اللجوء لتسهيلات ائتمانية كبيرة والتوسع في خطوط إنتاج جديدة لمجاراة التكاليف.
  • يمكن القول إن الأزمة تمثل دليلًا إضافيًا على ضعف الشفافية في صفقات الاستحواذ الكبرى، والتأخر في التشريعات التي تحمي حقوق المساهمين الصغار، واجتناب المخاطر في ظل غياب استقرار اقتصادي كامل.