مع بداية العام الدراسي الجديد، تواجه المدارس المصرية في جميع المراحل التعليمية أزمة خانقة تتمثل في العجز الواضح في أعداد المعلمين، وهي أزمة ليست وليدة اللحظة، لكنها تتفاقم عامًا بعد عام، وسط سياسات حكومية لا تقدم حلولًا جذرية.
وبدلًا من تعيين معلمين جدد أو سد العجز عبر خطط مدروسة، تلجأ وزارة التربية والتعليم إلى تحميل المعلمين الحاليين حصصًا إضافية، وتقليص زمن الحصص للمواد الأساسية من أجل "تسليك الأمور" مؤقتًا، في خطوة تثير قلق الخبراء وأولياء الأمور على مستقبل الطلاب.
 

عجز شامل في جميع المراحل
وفق تقارير ميدانية، لا تكاد تخلو مدرسة في القرى أو المدن من أزمة عجز المعلمين، سواء في المرحلة الابتدائية أو الإعدادية أو الثانوية.
بعض المدارس في الجيزة والقليوبية والبحيرة وأسيوط تعاني من غياب شبه كامل لمعلمي مواد مثل الرياضيات والعلوم واللغة الإنجليزية.
مدير إحدى المدارس في القاهرة أوضح أن العجز يتجاوز 30% من إجمالي الكادر المطلوب: "لدينا فصول كاملة بلا معلمين متخصصين، نعتمد على نقل معلم من مادة لأخرى، أو تكليف معلمي الأنشطة بتغطية حصص أساسية، وهو أمر غير مقبول تربويًا."
 

تحميل المعلمين فوق طاقتهم
الوزارة وجّهت المديريات التعليمية بزيادة نصاب المعلمين من الحصص الأسبوعية، بحيث يتحمل كل معلم حصصًا إضافية بدلاً من الاستعانة بمعلمي الحصص (الذين يتقاضون أجورًا بالساعة). هذا القرار أثار استياء المعلمين، الذين يرون أن رواتبهم الهزيلة لا تسمح بمزيد من الأعباء.
تقول منى إبراهيم، معلمة لغة عربية في إحدى مدارس الإسكندرية: "أنا بالفعل عندي 20 حصة أسبوعيًا، والآن يُطلب مني أن أصل إلى 26 أو 28 حصة، مع أعمال الكنترول والإشراف. كيف أستطيع الشرح بجودة وأنا مرهقة طوال الوقت؟"
ويرى كثير من المعلمين أن هذه السياسة تُعمّق أزمة الدروس الخصوصية، لأن المعلم المنهك داخل الفصل لن يتمكن من شرح الدرس بفعالية، ما يدفع الطالب للبحث عن الدروس الخارجية.
 

تقليص الحصص… على حساب المواد الأساسية
من بين الإجراءات المثيرة للجدل، تقليص زمن الحصص في بعض المدارس من 45 دقيقة إلى 30 دقيقة فقط، في محاولة لاستيعاب الجدول الدراسي رغم النقص. هذا التقليص شمل مواد أساسية مثل الرياضيات واللغة الإنجليزية والعلوم.
يقول وليد محمود، ولي أمر لطالب في الصف الثاني الإعدادي: "ابني عنده حصة رياضة بقت نص ساعة، وحصة إنجليزي نفس الشيء. كيف هيتعلم الطالب محتوى مقرر كامل في هذا الوقت؟ في النهاية هيدفعني أوديه درس خصوصي."
الخبراء التربويون يحذرون من أن تقليص زمن الحصة يعني تكثيف المناهج دون وقت كافٍ لشرحها أو مناقشة الطلاب، ما يضعف العملية التعليمية ويفرغها من محتواها الحقيقي.
 

أصوات الخبراء: حلول ترقيعية لا تنقذ التعليم
يرى خبراء التعليم أن الأزمة بنيوية، ولا يمكن حلها بالقرارات الوقتية. يقول الدكتور حسن شحاتة، أستاذ المناهج بجامعة عين شمس: "عجز المعلمين تجاوز مئات الآلاف، ولا يمكن تغطيته بزيادة نصاب المعلمين الحاليين. الحل الوحيد هو فتح باب التعيينات بشكل عاجل، سواء عبر مسابقات دائمة أو نظام التعاقد المستقر، وليس المؤقت."
أما الدكتور كمال مغيث، الخبير التربوي، فأكد أن تقليص زمن الحصص "خطأ تربوي جسيم": "نحن نتحدث عن مواد تحتاج إلى وقت للنقاش والتدريب العملي، لا عن مواد نظرية فقط. تقليص الحصة سيضعف مهارات الطالب ويزيد من الفجوة بين التعليم المدرسي والدروس الخصوصية."
من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي رشاد عبده أن السبب الجوهري هو تقليص الإنفاق الحكومي على التعليم: "الحكومة تعتبر التعليم بندًا ثانويًا في الموازنة، وبالتالي لا تخصص موارد كافية لتعيين معلمين أو تحسين أوضاعهم، رغم أن الدستور ينص على تخصيص نسبة محددة للتعليم."

وفي النهاية فأزمة العجز في أعداد المعلمين ليست مجرد مشكلة إدارية يمكن حلها بزيادة الحصص أو تقليص الزمن، بل هي أزمة تضرب جوهر العملية التعليمية. فالمعلم هو العمود الفقري لأي نظام تعليمي، وعندما يُرهق أو يُهمّش أو يُستبدل بحلول ترقيعية، فإن النتيجة المباشرة هي تراجع مستوى الطلاب وضياع أهداف التعليم.
ومع استمرار هذه السياسات، يتجه النظام التعليمي أكثر فأكثر إلى تكريس الدروس الخصوصية كبديل إلزامي، بدلًا من أن تكون المدرسة هي الحاضنة الطبيعية للعلم. إن إنقاذ التعليم يبدأ من الاعتراف بكرامة المعلم، وتعيين العدد الكافي، وتخصيص ميزانية حقيقية للتعليم، وإلا فإن الأزمة ستتضاعف عامًا بعد عام.