مع اقتراب العام الدراسي الجديد، يعيش أولياء الأمور في مصر على وقع أزمة جديدة أثقلت كاهلهم المرهق أصلًا من ضغوط المعيشة وغلاء الأسعار.

فقد شهدت أسعار الكتب الخارجية، التي يعتمد عليها ملايينالطلاب كوسيلة رئيسية للمذاكرة والتحضير للامتحانات، ارتفاعًا جديدًا وصل إلى نحو 20% مقارنة بالعام الماضي، ما أشعل حالة من الغضب والسخط بين الأهالي، وأثار جدلًا واسعًا حول مستقبل العملية التعليمية في ظل هذا الغلاء غير المسبوق.

 

الكتاب الخارجي.. حاجة أم رفاهية؟

منذ سنوات طويلة، أصبح الكتاب الخارجي جزءًا لا يتجزأ من المنظومة التعليمية في مصر. فرغم محاولات وزارة التربية

والتعليم لتطوير المناهج وتوفير مصادر رقمية، ما زال الطلاب وأولياء الأمور يعتبرون هذه الكتب المرجع الأساسي لفهم المناهج والتدريب على أسئلة الامتحانات.

ومع كل عام دراسي جديد، تتحول المكتبات وأكشاك بيع الكتب إلى محطات إجبارية للطلاب من مختلف المراحل الدراسية، بدءًا من المرحلة الابتدائية وحتى الثانوية العامة.

لكن هذا العام، لم تعد العملية سهلة كما في السابق.

فالزيادات المتتالية في الأسعار جعلت كثيرًا من الأهالي عاجزين عن شراء جميع الكتب المطلوبة، الأمر الذي يهدد بترك آثار سلبية على مستوى التحصيل الدراسي للطلاب.

 

أولياء الأمور بين المطرقة والسندان

تقول هالة محمود، وهي أم لثلاثةطلاب في المرحلتين الابتدائية والإعدادية: "العام الماضي أنفقت على الكتب الخارجية ما يقارب 2500 جنيه، أما هذا العام فالمبلغ تضاعف تقريبًا. كيف يمكن لأسرة متوسطةالدخل أن تتحمل هذه المصاريف بجانب مصاريف المدارس والدروس الخصوصية والزي المدرسي؟"

ويضيف أحمد عبد الله، والد لطالب في الصف الثالث الثانوي: "كتب الثانوية العامة وحدها كلفتني أكثر من 1800 جنيه هذا العام، رغم أن الدروس الخصوصية أيضًا تكلف آلاف الجنيهات.نحن الآن أمام خيارين أحلاهما مر: إما شراء الكتب على حساب الاحتياجات الأساسية للأسرة، أو ترك أبنائنا دون مراجع تساعدهم على اجتياز أهم عام دراسي في حياتهم."

 

شهادات تكشف حجم الأزمة

منى عبد الرحمن، ربة منزل: "ذهبت إلى المكتبة لشراء كتب لابني في الصف الخامس، وفوجئت أن الكتاب الواحد وصل سعره إلى 120 جنيهًا. لم أستطع شراء المجموعة كلها، فاضطررت لاختيار مادتين فقط وتأجيل الباقي.

"إبراهيم السيد، موظف: "لدينا 4 أبناء في مراحل تعليمية مختلفة.

ميزانية الأسرة أصبحت تنهار بسبب الكتب الخارجية. حتى مع محاولاتنا تبادل الكتب المستعملة مع جيراننا، إلا أن التغييرات في المناهج كل عام تجعل الأمر شبه مستحيل.

"سعاد كمال، معلمة: "الحقيقة أن الطلاب لا يستطيعون الاستغناء عن الكتب الخارجية، لأنها تقدم تدريبات منظمة على نمط الامتحانات، وهو ما لا توفره كتب الوزارة بنفس الكفاءة. لكن المشكلة أن الغلاء جعل هذه الكتب حكرًا على القادرين فقط."

 

المكتبات تبرر: ورق وأسعار طباعة

من جانبهم، يبرر أصحاب المكتبات والناشرون هذه الزيادات بارتفاع أسعار الورق والحبر والطباعة بنسبة تجاوزت 40% خلال العام الأخير، نتيجة الأوضاع الاقتصادية وسعر صرف الدولار.

يقول صاحب مكتبة في وسط القاهرة: "نحن لا نرفع الأسعار لمجرد الربح.تكلفة الورق وحدها أصبحت عبئًا كبيرًا. كنا نبيع الكتاب بـ 90 جنيهًا العام الماضي، والآن لا يمكننا بيعه بأقل من 110 أو 120 جنيهًا، وإلا سنخسر."

 

تأثير مباشر على الطلاب

هذا الغلاء لا ينعكس فقط على جيوب الأهالي، بل يمتد تأثيره إلى مستقبل الطلاب.

طلاب كثيرون قد يضطرون للاعتماد فقط على الدروس الخصوصية دون كتب خارجية.

بعض الأسر بدأت تلجأ لشراء نسخ مصورة "فوتوكوبي" رخيصة الجودة لكنها أقل تكلفة.

وهناك من يفكر في الاعتماد على الملفات الإلكترونية المنتشرة عبر الإنترنت، رغم عدم توافرها بنفس شمولية وجودة الكتب المطبوعة.

يقول محمود سامي، طالب بالصف الثاني الثانوي: "زملائي ينقسمون الآن.. البعض اشترى الكتب رغم الغلاء، وآخرون يكتفون بصور على هواتفهم أو أوراق مطبوعة. هذا سيخلق فجوة بين الطلاب ويؤثر على تكافؤ الفرص."

 

غضب الأهالي يتصاعد

في ظل هذه الأزمة، تتصاعد أصوات الأهالي على مواقع التواصل الاجتماعي، مطالبين الحكومة بالتدخل.

البعض يقترح:

 

  • إعادة النظر في أسعار الكتب الخارجية.
  • دعم دور النشر أو إعفاء الورق من بعض الرسوم الجمركية لتخفيف التكلفة.
  • توفير بدائل حكومية بجودة تنافس الكتب الخارجية، حتى لا يضطر الطلاب إلى شرائها بأسعار باهظة.

فكتب محمود "شدي حيلك يا حبيبتي علشان الكتب الخارجية نزلت، وخلاص الدروس هتبدأ والمدرسة قربت".

وكتب كريم "مافيا الكتب الخارجية والدروس الخصوصية

ليه الوزارة ماتعملش كتب المدرسة زي الكتب الخارجية ؟؟ولا هما مشتركين في مص دم الشعب".

وكتب دكتور فارس "ارتفاع أسعار الكتب الخارجية بدور النشر بنسب تصل إلى 20%"

 

بين التعليم والغلاء.. من يدفع الثمن؟

في النهاية، يبقى السؤال: من يدفع ثمن هذه الأزمة؟

الأهالي الذين يستنزفهم الغلاء يومًا بعد يوم؟ أم الطلاب الذين يجدون أنفسهم بلا أدوات مساعدة على التعلم؟ أم العملية التعليمية برمتها التي تتأثر سلبًا بانعدام العدالة في الحصول على الموارد؟

يبقى المؤكد أن التعليم، الذي يُفترض أن يكون حقًا للجميع، بات اليوم مرتبطًا بقدرة الأسرة المادية.

وبينما تستمر موجة الغلاء، يبقى الطلاب وأهاليهم في مصر عالقين بين مطرقة التعليم الضروري وسندان الغلاء القاسي.