مواجهة الأطباء المصريين أوضاعًا اقتصادية صعبة، موظفون حكوميون يتقاضون رواتب لا تتجاوز بضعة مئات من الجنيهات، في ظل أزمة تضخم وانهيار الجنيه، بيئة عمل مضنية، تعرض متكرر للاعتداءات، وقانون "مسؤولية طبية" يُلقي بعبء إضافي على كاهلهم. كل ذلك دفع آلاف الأطباء نحو قرار الرحيل أو حتى الاستقالة، في خضم ما بات يُعرف من قبل المتخصصين بأنه "نزيف بشري" يهدد بنسف قدرات المنظومة الصحية.

واستدعت نيابة أكتوبر الكلية الطبيب خالد أمين، الأمين العام المساعد لنقابة الأطباء، في نهاية شهر مايو السابق؛ للتحقيق معه في شكوى مقدمة ضده من وزارة الصحة والسكان على خلفية تصريحاته بإحدى البرامج الفضائية عن زيادة هجرة الأطباء وعدم عودتهم إلى مصر في ظل الأوضاع السيئة للقطاع الطبي في مصر.

 

أعداد تتحدث عن نفسها

1. الهجرة إلى الخارج

126.500 ألف طبيب مصري من إجمالي 230 ألفًا مسجلين في النقابة يعملون خارج البلاد.

في عام 2023 وحده، غادر حوالي 7 آلاف طبيب مصر للعمل بالخارج (غالبًا في الخليج وأوروبا).

وقال السفير فوزي العشماوي مساعد وزير الخارجية الأسبق إنه في ظروف معينة كان يمكن أن تكون هذه الآلاف من الأطباء الموجودين بالخارج قوة مضافة لمصر، ولكن في ظروفنا الحالية فإنها من دون شك نزيف في كفاءات مهمة يحتاجها الوطن.

ونقل تدوينة لإحدى الصفحات المهتمة بمشاكل الأطباء جاء فيها

هناك 126.500 طبيب يعملون في الخارج جاءت إحصائياتهم كما يلي

50 ألف طبيب بالسعودية (معظمهم متخصصون واستشاريون)

25 ألف طبيب بأمريكا

12 ألف طبيب بكندا

10 آلاف طبيب بالإمارات

8 آلاف طبيب بإنجلترا (حديثي التخرج)

15 ألف طبيب بالكويت وقطر وعُمان

4000 طبيب بألمانيا

2500 طبيب بفرنسا

 

2. الاستقالات من القطاع العام

بين 2019 و2022، استقال 11,536 طبيبًا حكوميًا، منهم 4,300 استقالوا في عام 2022 وحده بمعدل 13.5 استقالة يوميًا.

وفق بيانات عام 2024، يصل معدل الاستقالات يوميًا إلى 12 طبيبًا.

 

نظرة تحليلية

الدكتور هشام عزت، متخصص بعيادة تخدير في ألمانيا، يقول: إن الميكروفون سينهار فوق رأس المريض حين تحاول التقييم بالإعدام الطبي لغياب الدعم، معتبرًا القانون الجديد ضربًا لروحية المهنة.

وتوقع أستاذ الاقتصاد إيهاب يونس، رفعًا في تكاليف الرعاية الصحية، ويفسّر الأمر كـ "حصيلة فقدان رأس المال البشري الطبي" الذي يضرب الإنتاجية الوطنية.

وقدّم بعض الخبراء مقارنة ملهمة؛ إذ أن راتب طبيب مبتدئ في القطاع الحكومي لا يتجاوز 3700 جنيه شهريًا (100 دولار)، مقابل أطباء بالخارج ينالون آلاف الدولارات.

 

أبرز الأسباب والدوافع لهجرة واستقالة الأطباء

  • رواتب منخفضة جدًا، لا تكفي للعيش الكريم بخاصة في ظل تدهور قيمة الجنيه.

وسلطت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، الضوء على ارتفاع معدل هجرة الأطباء في مصر، في تقرير نشرته في 26 فبراير الماضي، وأوضحت أنه يُشترط على جميع خريجي الطب في مصر العمل في القطاع الحكومي لمدة ثلاث سنوات، قبل أن يتمكنوا من الانتقال للعمل بأجر أفضل في المنشآت الصحية الخاصة.

وخلال فترة العمل بالقطاع الحكومي، يتلقى الأطباء من ألفين إلى 4 آلاف جنيه  شهريًا، وفقا للصحيفة الأميركية، التي أوضحت أن هذا المبلغ انخفضت قيمته بشكل كبير وسط ارتفاع الأسعار وتدهور قيمة العملة المحلية أمام الدولار الأميركي مؤخرا.

وذكرت "واشنطن بوست" أن أغلب الأطباء الشباب في مصر يصلون إلى منتصف الثلاثينيات من أعمارهم ولا تزيد مرتباتهم عن حوالي 300 دولار شهريًا، بالكاد تكفي لتلبية أساسيات الحياة.

وبالمقارنة مع دولة مثل الولايات المتحدة التي تعتبر من أكثر الدول التي تستقبل الأطباء المصريين، فسنجد أن الطبيب المصري هناك يصل راتبه إلى حوالي 250 ألف دولار في السنة في خلال عامين من ممارسته للمهنة.

وقال أمين صندوق نقابة الأطباء سابقا، الدكتور خالد سمير، إن هجرة الأطباء يحركها عدة مشاكل، أبرزها الدخل المنخفض، والتعرض للاعتداءات، وسوء بيئة العمل، وتدهور المنظومة الطبية التي يدفع ثمنها الطبيب.

وأضاف سمير إن انخفاض دخل الطبيب يضطره للعمل في أماكن متعددة لساعات غير آدمية، وهذا لا يحث في أي دولة في العالم التي تقدر معظمها الأطباء المصريين، الذين وصل عددهم بالآلاف سواء في الخليج أو الاتحاد الأوروبي أو بريطانيا أو الولايات المتحدة أو كندا.

وقال سمير إن الغريب هو أنه ليست الدول المتقدمة فقط هي من تعطي الأطباء مرتبات مرتفعة، بل حتى الدول التي تعاني من حروب وصراعات مسلحة مثل الصومال واليمن وليبيا، حيث يحصل الاستشاري على حوالي 5 آلاف دولار شهريا، ما يدفع الأطباء المصريين للسفر للعمل هناك.

  • ظروف عمل قاتلة (عدد كبير من المرضى يوميًا، نقص المعدات، الاعتداءات).
  • افتقار إلى التقدير المهني ومخاوف قانونية من قانون المسؤولية الطبية المقترح.
  • نقص واضح في فرص التدريب والتطوير المهني، ما يجعل البقاء في الوظيفة الحكومية عبئًا إضافيًا.

 

تداعيات الأزمة

  • خفّة كادر طبي مؤهل؛ يهدد جودة الرعاية الصحية ويزيد معدلات الأخطاء الطبية.
  • ارتفاع الإنفاق على الصحة الخاصة أو شراء الأدوية الخاصة، ما يزيد عبء المواطن.
  • توجيه الضغوط نحو القصّر المنظومة الصحية كما لو أنها "ثقة مفقودة" يجب تحميلها على الكوادر.

 

حلول عاجلة

ومن أجل إنقاذ القطاع الصحي لا بد من تبني حلول عاجلة، منها:

  • تحسين الأجور والتعويضات للكوادر الطبية في القطاع العام.
  • ضمان بيئة عمل آمنة ومحترمة، تحول دون الانسحاب المهني.
  • تفكيك العوائق أمام الترقية والتدريب داخل مصر، بما يحرر الطاقات ويسند القطاع.
  • إعادة النظر بقانون المسؤولية ليوازن بين حماية الأطباء والمرضى ولا يُخيف الكوادر.