على الرغم من كل ما يتعرض "الإخوان المسلمون" من قمع وتنكيل على مدار أكثر من 12 عامًا، من الزج بالآلاف من قيادات ومنتسبي الجماعة في السجون، ومغادرة الكثير من القيادات البارزة إلى خارج البلاد، إلا أنها تبقى بشهادة خصومها لا زالت هي القوة الأكثر تنظيمًا داخل الشارع في مصر والقادرة على حصد ثقة المصريين في الاستحقاقات الانتخابية.

 

كان من اللافت أن يخرج هذا الكلام على لسان الإعلامي الموالي للأجهزة الأمنية في مصر، إبراهيم عيسى، في سياق تعليقه على انتخابات مجلسي النواب المرتقبة التي تبدو محسومة سلفًا لصالح "القائمة الوطنية في حب مصر" التي تتألف من أحزاب موالية للسلطة، أبرزها حزب "مستقبل وطن".

 

فلم تمنعه كراهيته للإخوان أن يعترف بقوتها حتى الآن على مستوى الشارع في مصر، متسائلاً: "ليه النظام مش بيعمل انتخابات حقيقية بنبض الشارع رغم تراجع الإخوان؟، لأن الإخوان لسه أكتر ناس منظمة وده دليل على عدم نجاح النظام، الدولة قوية بس أمنيًا، لكن سياسيًا هشة للغاية وأي حزب معارض حقيقي هيسحق حزب الدولة سحقًا وهيكتسح الانتخابات".

 

قمع الإخوان 

 

ما ذهب إليه عيسى بشأن مخاوف النظام من إجراء انتخابات جادة في مصر يعكس الحقيقة التي يتجاهلها، حيث لم تفلح 13 عامًا من القمع في إبعاد الجماعة تمامًا عن صورة المشهد، ولازالت تحتفظ بجزء كبير من شعبيتها التي أهلتها للفوز بأول انتخابات رئاسية وبرلمانية أجرت عقب ثورة 25 يناير 2011.

 

هذا ما عكسه نتائج استطلاع رأي نشره معهد واشنطن في عام 2018 كان أبرز ما خلص إليه هو أن 33 بالمائة من المسلمين المصريين ما زالوا يُبدون رأيًا "إيجابيًا إلى حد ما" تجاه جماعة الإخوان المسلمين، من بينهم 6 بالمائة لديهم رأي "إيجابي للغاية". 

 

ويظل هذا الوضع قائمًا على الرغم من تصنيف الجماعة رسميًا كمنظمة "إرهابية"، وتعرضها لحملة تشويه إعلامية متواصلة على مدار السنوات الماضية. ولم تتغير هذه النسبة تقريبًا منذ الاستطلاعين السابقين، اللذين أُجريا عامي 2015  و2017.

 

أسباب بقاء الإخوان

 

المفارقة أن الشعبية الكبيرة التي لا زالت يتمتع بها الإخوان في مصر جاءت في ظل افتقار شبكتها الاجتماعية الواسعة إلى حرية العمل على الأرض، من خلال محاربة كل ما له علاقة بالجماعة، وبخاصة النشاط الاجتماعي الذي أتاح لها الانتشار في ربوع مصر، من خلال الخدمات التي كانت تقدمها، وثقة المجتمعات المحلية فيها. 

 

وقد تناولت دراسة نشرها معهد كارنيجي في عام 2019، بالتزامن مع ذكرى تأسيس جماعة الإخوان الـ91، كيف صمدت الإخوان على الرغم من كل القمع الذي واجهته.

 

وأشارت إلى أن ذلك بسبب امتلاكها قدرة كبيرة على الصمود والتكيف، وتغلبت على التحديات الداخلية التي ترتبت على اعتقال قياداتها الهرمية، وحلّت مكان البنية القيادية العمودية للجماعة شبكات وخطوط اتصالات غير هرمية.

 

وهو ما خلق فضاءات للشبان الأصغر سنا نسبيًا كي يلعبوا دورًا حاسمًا في إبقاء الجماعة على قيد الحياة. وبذلك، كشفت الجماعة عن قدرة مدهشة على مواصلة العمل، رغم جهود النظام لقطع دابرها".

 

وأوضحت أن "هناك أربعة أسباب بنيوية تفسّر ظاهرة بقاء جماعة الإخوان على قيد الحياة. الأول، أن هيكليتها التنظيمية الهرمية لم تكن نقطة ضعف رئيسية للجماعة كما افترض النظام، حيث انتقلت إدارة الأزمة واتخاذ القرارات التنفيذية إلى قادة موثوقين في المنفى، والثاني هو أن الكادر الأعلى للجماعة كبير، والسبب الثالث هو تنوّع عمليات الجماعة الإدارية التي دُعِّمت بشبكات الاتصال الموسّعة".

 

وذكرت أن السبب الرابع والأهم هو "أن القياديين من ذوي الرتب العالية بالجماعة يمكنهم أن يعملوا بشكل مستقل لأنهم لُقّنوا أيديولوجيا التنظيم، وأهدافه، ودعوته، فضلاً عن البيعة، وهي إعلان الولاء والطاعة للمرشد العام بصفته رأس الجماعة".