شهدت منطقة الكيلو 4.5 في الهجانة شرق القاهرة، وأبراج الأمل الجديدة، موجة غضب متصاعدة ووقفات احتجاجية حاشدة للأهالي، بعد إعلان الحكومة بدء المرحلة الأولى من التهجير والإزالات بحجة "تطوير المنطقة" وإزالة المباني المخالفة قرب مطار القاهرة.
هذه الخطوة، التي وصفتها السلطات بأنها جزء من "مشروع التحديث العمراني"، قوبلت برفض قاطع من سكان المنطقة الذين أكدوا تمسكهم بحقهم في البقاء بمنازلهم، ورفضهم لما وصفوه بـ"التعويضات الهزلية" التي لا تكفي حتى لاستئجار مسكن بديل.
https://x.com/i/status/1954206757162463586
أبراج الأمل… حلم تحول إلى كابوس
المنطقة المستهدفة تضم برجًا سكنيًا يصل ارتفاعه إلى 12 طابقًا، إضافة إلى عشرات الوحدات التي يسكنها مئات الأسر.
هذه الأبراج كانت قبل سنوات قليلة رمزًا لأمل السكان في حياة مستقرة، لكنها اليوم تحولت إلى كابوس، بعدما وصلت إليهم أوامر الإخلاء القسري، تحت ذريعة أن المنطقة تمثل "خطرًا على الأمن القومي" لقربها من المطار.
السكان يرون أن هذا المبرر غير مقنع، خاصة أن المنطقة قائمة منذ عقود، ولم تكن تمثل أي تهديد أمني طوال هذه السنوات.
https://x.com/i/status/1953506576033079634
مظاهرات وغضب
وواصل عشرات من أهالي منطقة "مدينة الأمل" (المعروفة سابقًا باسم الهجانة) في مدينة نصر بالقاهرة، خروجهم اليوم خلال الأيام الماضية للتظاهر، احتجاجًا على قرارات تهجيرهم من منازلهم، ضمن ما تُعلنه الدولة كمخطط لتطوير المنطقة.
السكان أعربوا عن رفضهم لما وصفوه بـ"الإخلاء القسري"، مؤكدين أنهم لم يُعرض عليهم أي تعويضات عادلة أو بدائل سكنية واضحة، وأنهم فوجئوا بمطالبات بإخلاء منازلهم لصالح مشروعات جديدة، دون مشاركة مجتمعية حقيقية أو حوار مع الجهات المعنية.
وشهدت التظاهرة هتافات مثل: "مش هنمشي من بيوتنا"، و"التطوير مش بالطرد"، في تعبير واضح عن القلق من أن يتحول المشروع إلى وسيلة لنقل السكان إلى أماكن نائية دون خدمات، أو استغلال الأراضي لصالح مستثمرين.
وقال أحد المشاركين في التظاهرة: "إحنا مش ضد التطوير، لكن ضد التهجير بدون ضمانات حقيقية. إحنا عايشين هنا من سنين، وولادنا اتولدوا هنا، ومش ممكن نبدأ من الصفر من غير ما نعرف مصيرنا."
وتأتي هذه التظاهرة وسط مناخ من الاحتقان في عدد من المناطق الشعبية التي طالتها سياسات "التطوير"، والتي يرى فيها المواطنون تهديدًا لأمنهم السكني، خاصة مع غياب الشفافية في كثير من الحالات، واستبعاد صوت الأهالي من عملية اتخاذ القرار.
https://x.com/i/status/1953463239238390019
تبرير حكومي… وغضب شعبي
الحكومة بررت عمليات الهدم والإخلاء بأنها "جزء من خطة إعادة تخطيط المناطق العشوائية"، مؤكدة أن قرب الهجانة من مطار القاهرة يجعلها منطقة حساسة أمنيًا، وأن إزالة الأبراج يأتي لتأمين محيط المطار.
لكن الأهالي ردوا بأن الهجانة لم تكن يومًا مصدر خطر، وأن ما يحدث الآن ليس سوى محاولة لإخلاء الأرض لصالح مشاريع استثمارية، في إطار سياسة التوسع العقاري الفاخر على حساب السكان الأصليين.
التعويضات… "مبلغ لا يكفي لإيجار شهرين"
الغضب الشعبي تضاعف بعدما أعلنت السلطات عن التعويضات المالية المخصصة للأسر، والتي تراوحت -وفق شهادات الأهالي- بين 40 و60 ألف جنيه للوحدة السكنية، وهو مبلغ وصفه السكان بـ"الهزلي"، مؤكدين أنه لا يكفي حتى لاستئجار شقة صغيرة لمدة عام في ظل موجة الغلاء الجنونية.
أحد المحتجين قال: "هل يريدون أن نرمي أطفالنا في الشارع؟ بهذا المبلغ لا نستطيع حتى شراء غرفة في حي شعبي".
وقفات احتجاجية في قلب الهجانة
منذ أيام، تجمع عشرات من سكان الكيلو 4.5 وأبراج الأمل الجديدة أمام منازلهم، مرددين هتافات ترفض التهجير وتطالب بوقف الإزالات.
حمل المتظاهرون لافتات كُتب عليها: "لن نترك بيوتنا" و*"التطوير لا يعني الطرد"*.
الاحتجاجات، التي جرت وسط حضور أمني كثيف، شهدت محاولات لثني الأهالي عن الاعتصام، لكن السكان أكدوا أنهم لن يتركوا منازلهم إلا إذا تم توفير سكن بديل لائق أو تعويض عادل يغطي تكاليف الانتقال.
https://x.com/i/status/1953392191721685205
شهادات من قلب الأزمة
أم محمد، 55 عامًا: "أنا ساكنة هنا من 30 سنة، كبرت أولادي في الشقة دي، والنهاردة بيقولوا لي اطلعي ودي التعويض. أنا مش هطلع، حتى لو هيموتونا هنا".
أحمد حسن، 32 عامًا: "البرج اللي ساكنين فيه مش عشوائي، وإحنا دافعين كل جنيه فيه من تعبنا. مفيش أي خطة واضحة إحنا هنروح فين".
عم حسين، 67 عامًا: "بيقولوا المنطقة خطر عشان المطار، طب ليه ما كانتش خطر طول السنين اللي فاتت؟".
البعد السياسي والاقتصادي للتهجير
نشطاء ومعارضون يرون أن القضية تتجاوز فكرة "الأمن القومي" أو "التطوير"، معتبرين أن ما يجري جزء من سياسة منهجية للاستيلاء على الأراضي وتحويلها إلى مشروعات استثمارية مربحة لصالح رجال أعمال مقربين من السلطة.
الناشط الحقوقي خالد منصور قال: "التهجير في الهجانة هو امتداد لما حدث في مثلث ماسبيرو وجزيرة الوراق، حيث يتم إخراج الأهالي بالقوة ثم تحويل الأرض إلى مشروعات عقارية فاخرة لا يستطيع السكان الأصليون العيش فيها".
تحدي الحكومة ورفض الخروج
رغم التحذيرات والإنذارات، أعلن عدد كبير من الأهالي أنهم سيواصلون الاعتصام في منازلهم حتى آخر لحظة، مؤكدين أنهم لن يتركوا بيوتهم من دون بديل حقيقي.
هذا التحدي الشعبي قد يضع الحكومة في موقف محرج، خاصة مع تداول صور وفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي توثق لحظات المواجهة بين الأمن والأهالي.
ردود الفعل والتضامن
موجة التعاطف مع أهالي الهجانة امتدت إلى منصات التواصل الاجتماعي، حيث أطلق نشطاء وسومًا مثل #الهجانة_مش_للبيع و**#لن_نترك_بيوتنا**.
الإعلامي المعارض عبد الله الشريف غرد قائلًا: "تهجير جديد بحجة التطوير… الهجانة اليوم، وغدًا الدور على مناطق تانية".
وقال المجلس الثوري المصري "في حلقة جديدة من تهجير المواطنين المصريين العاديين لصالح مستثمرين, اعتدت الشرطة المصرية على أهالي مدينة الأمل-الهجانة سابقا بمدينة نصر #القاهرة، بعد اعتراضهم على إزالة منازلهم وتهجيرهم قسرياً. من ترون في الصفوف الأولي هن نساء مصر الحقيقيات، وليس ما رأيتم من وضاعة ورقص أمام اللجان".
معركة البقاء
مع استمرار الإصرار الحكومي على تنفيذ قرارات الإزالة، وإصرار الأهالي على البقاء، يبدو أن أزمة الهجانة مرشحة للتصعيد. في ظل غياب حلول وسط، تبقى المعركة مفتوحة بين من يرى الأرض مجرد مشروع استثماري، ومن يراها حياة كاملة لا تعوض.