في وقت تتصدر فيه بعض الدول العربية قوائم أعلى الدخول في العالم بمعدلات تتجاوز 80 ألف دولار سنويًا للفرد، يعيش المواطن المصري على هامش هذه الخارطة بدخل لا يتجاوز 4 آلاف دولار سنويًا، وفق تصنيفات البنك الدولي.
هذه الفجوة الصارخة تضع مصر في ذيل ترتيب الدول العربية من حيث نصيب الفرد من الدخل القومي، في مشهد يجسد التباين الحاد في الثروات والفرص الاقتصادية بين ضفتي الخريطة العربية.
وفي مشهد يلخص حدة التفاوت الاقتصادي في العالم العربي، تكشف خارطة تصنيفات الدخل القومي عن فجوة شاسعة بين دول تخصص مليارات الدولارات لمشاريع فضائية طموحة، وأخرى تغرق في أزمات اقتصادية طاحنة ونزاعات مدمرة. من الخليج الغني إلى القرن الأفريقي الفقير، ومن المغرب العربي إلى بلاد الشام، يمتد مستوى دخل الفرد من أقل من ألف دولار سنويًا في بعض الدول إلى أكثر من 80 ألف دولار في أخرى.
ويصدر البنك الدولي سنويًا تصنيفًا لاقتصادات العالم إلى أربع فئات رئيسية بناءً على نصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي، وفق ما يعرف بـ"طريقة أطلس"، وهذه الفئات هي:
- دول منخفضة الدخل.
- دول متوسطة الدخل (الشريحة الدنيا).
- دول متوسطة الدخل (الشريحة العليا).
- دول مرتفعة الدخل.
ولا يقتصر هذا التصنيف على كونه مجرد مؤشر لمستوى المعيشة، بل يُستخدم كمعيار رئيسي لتحديد أحقية الدول في الحصول على المساعدات الإنمائية، والقروض الميسّرة، وبرامج التمويل منخفض الفائدة.
ماذا يعني نصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي؟
يعتمد البنك الدولي على مؤشر الدخل القومي الإجمالي "جي إن آي" (GNI)، الذي يُحتسب بجمع الناتج المحلي الإجمالي مع صافي العائدات من الخارج (مثل تحويلات المغتربين)، والضرائب الصافية على الإنتاج.
ويقيس نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي متوسط الدخل السنوي الذي يحصل عليه المواطن، ويُستخدم كمؤشر أساسي لتقدير مستوى الرفاهية الاقتصادية.
وبحسب منصة "أو وورلد إن داتا"، يتم تعديل هذا المؤشر ليأخذ بعين الاعتبار معدلات التضخم والفروقات في تكاليف المعيشة، ويُقدّر بالدولار الدولي بناء على أسعار عام 2021.
ما طريقة "أطلس"؟
تعتمد طريقة أطلس على حساب متوسط سعر صرف العملة المحلية مقابل الدولار الأميركي على مدى 3 سنوات متتالية، مع احتساب معدلات التضخم المحلي مقارنة بالولايات المتحدة، ما يقلل من تأثير تقلبات أسعار الصرف. وبهذا، تحصل الدول على تصنيف أكثر استقرارا ودقة.
ووفق قاعدة بيانات مصطلحات الأمم المتحدة، تستخدم هذه الطريقة لحساب الدخل القومي الإجمالي بالدولار، مقسوما على عدد السكان، للحصول على نصيب الفرد من الدخل القومي بطريقة أطلس، وفقًا لـ"الجزيرة.نت".
تصنيف البنك الدولي للدول حسب الدخل (2026)
للسنة المالية 2026، الممتدة من يوليو 2025 إلى يونيو 2026، يصنّف البنك الدولي الدول كالتالي:
منخفضة الدخل: نصيب الفرد 1135 دولارا أو أقل.
متوسطة الدخل الدنيا: بين 1136 و4495 دولارا.
متوسطة الدخل العليا: بين 4496 و13 ألفا و935 دولارا.
مرتفعة الدخل: أكثر من 13 ألفا و935 دولارا.
وقد أوضح البنك الدولي في بيانه السنوي أن "هذا التصنيف أداة تحليلية لاختبار فرص التنمية، وتوجيه المساعدات والتمويل وفقًا لمستوى الاحتياج الحقيقي".
الدول العربية ذات الدخل المنخفض
تعاني هذه الدول من تحديات اقتصادية وأمنية معقّدة، حيث يقل دخل الفرد السنوي فيها عن 1135 دولارا:
الصومال
اليمن
سوريا
السودان
وغالبا ما ترتبط هذه الأوضاع بغياب الاستقرار السياسي، وتدهور البنية التحتية، وضعف الإنتاج المحلي، إضافة إلى تأثيرات النزاعات المسلحة والحصار الدولي.
الدول العربية ذات الدخل المتوسط المنخفض
تقع هذه الدول ضمن نطاق دخل يتراوح بين 1136 و4495 دولارا سنويا للفرد:
مصر
فلسطين
الأردن
لبنان
المغرب
تونس
موريتانيا
جيبوتي
جزر القمر
في هذا النطاق، يلاحظ وجود دول تعاني من أزمات اقتصادية مركبة رغم امتلاكها لمقومات تنموية مهمة، مثل مصر ولبنان، إذ يؤثر التضخم وسعر الصرف سلبًا على القوة الشرائية للسكان.
الدول العربية ذات الدخل المتوسط المرتفع
تشمل الدول التي يتراوح فيها دخل الفرد السنوي بين 4496 و13 ألفا و935 دولارا:
الجزائر
العراق
ليبيا
رغم الثروات الطبيعية، تعاني هذه الدول من تذبذب في العائدات بسبب تقلبات أسعار النفط، إلى جانب أزمات مؤسساتية أو سياسية تُبطئ من وتيرة النمو.
الدول العربية ذات الدخل المرتفع
تتصدر القائمة دول مجلس التعاون الخليجي، التي يتجاوز فيها دخل الفرد السنوي 13 ألفا و935 دولارا:
قطر
الإمارات
السعودية
الكويت
عُمان
البحرين
ويعزو البنك الدولي هذا التصنيف إلى ارتفاع الإيرادات النفطية والاستثمار في البنية التحتية والتعليم والتكنولوجيا، فضلا عن استقرار السياسات المالية.
ويشير التصنيف السنوي للبنك الدولي إلى فجوة دخل صارخة بين الدول العربية، إذ تتجاور دول ثرية قادرة على تمويل مشاريع طموحة، مع أخرى تعاني من انهيار اقتصادي ومعيشي. ويؤكد الخبراء أن التحوّل بين هذه الفئات ليس مستحيلا، لكنه يعتمد على الإرادة السياسية، والاستثمار في البشر والتعليم، واستقرار بيئة الأعمال.
وكما يوضح الباحث الاقتصادي في البنك الدولي إيريك بونتلي أن "تصنيفات الدخل ليست حتمية، بل لحظة لقياس التقدم أو التراجع، وفرصة لإعادة ترتيب الأولويات التنموية".