انقلاب 3 يوليو 2013.. بداية التحول القاسي

في مثل هذا اليوم، قبل 12 عاماً، أطاح وزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسي بأول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر، الدكتور محمد مرسي، في انقلاب عسكري أعلن نهايته من على منصة محاطة بقيادات عسكرية ودينية وسياسية.

ومنذ تلك اللحظة، دخلت مصر مرحلة جديدة سادها القمع والاستبداد، رُوّج لها بوعد "الاستقرار والأمن"، لكنها حوّلت البلاد إلى ساحة مفتوحة للأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

وبينما تحتفل السلطة بما تسميه "ثورة شعبية"، يحيي قطاع واسع من المصريين الذكرى كبداية لانهيار غير مسبوق شمل كافة مناحي الحياة.

 

الاقتصاد.. الجنيه يتهاوى والدَّين يتضخم

ربما كان الاقتصاد هو المرآة الأكثر تعبيرًا عن حجم ما خسره المصريون منذ الانقلاب، ففي عام 2013، كان سعر صرف الدولار نحو 7 جنيهات، أما في يوليو 2025 فقد تجاوز 50 جنيهًا في السوق السوداء، في ظل أزمة خانقة في العملة الأجنبية.

ارتفع الدين الخارجي من نحو 43 مليار دولار في 2013 إلى أكثر من 168 مليار دولار وفق بيانات البنك المركزي المصري في مطلع 2025، وهو ما يعادل أربعة أضعاف تقريبًا، بينما سجل الدين المحلي أكثر من 7 تريليونات جنيه.

التضخم بلغ معدلات قياسية، ووفق الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، تجاوز 35% في عام 2024، فيما تراجعت القدرة الشرائية للمواطن بصورة كارثية، حتى أن وجبة الفول، الطعام الشعبي الأشهر، باتت ترفًا في بعض الأحياء.

أما البطالة، فاستقرت رسميًا حول 7.2%، لكن مراقبين يؤكدون أن الرقم الحقيقي أعلى بكثير في ظل اتساع رقعة العمل غير الرسمي وهجرة العقول والعمالة.

 

 التعليم والصحة في مهب الريح

على الرغم من إطلاق السيسي عشرات التصريحات حول "أهمية بناء الإنسان المصري"، فإن مؤشرات التعليم والصحة تروي قصة مختلفة.

تقارير اليونسكو والبنك الدولي أظهرت تراجع جودة التعليم في مصر، إذ جاءت في المرتبة 129 من أصل 137 دولة في تقرير التنافسية العالمية لعام 2023.

وفي التعليم الجامعي، أُقرت رسوم باهظة على الطلاب وجرى تقليص الدعم تدريجيًا، ما حوّل الجامعات الحكومية إلى بيئة طاردة للفقراء.

أما القطاع الصحي، فشهد انهيارًا شبه تام، ووفق تقارير نقابة الأطباء، هاجر أكثر من 60 ألف طبيب مصري خلال عقد واحد، بسبب تدني الأجور وسوء بيئة العمل.

المستشفيات الحكومية تفتقر إلى الأجهزة الأساسية، بينما تزايد الاعتماد على المبادرات الدعائية مثل "100 مليون صحة" دون حلول جذرية.

 

الفساد وإهدار المال العام

رغم الأزمات الاقتصادية، أنفقت رئاسة جمهورية الانقلاب نحو 6 مليارات جنيه سنوياً على نفقات غير إنتاجية، منها شراء طائرات حربية بمليارات الدولارات، في حين تدهورت البنية التحتية الحيوية مثل السكك الحديدية والمستشفيات.

هذا التبذير المالي يعكس أولويات النظام التي تركز على تعزيز سلطته الأمنية والعسكرية على حساب التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

 

القمع السياسي.. تصعيد غير مسبوق

لم تقتصر الخسائر على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، بل شملت أيضاً الحقوق السياسية، فقد شهدت مصر حملة اعتقالات واسعة طالت آلاف المعارضين، بينهم نحو 3000 محكوم عليهم بالسجن بأحكام إجمالية تصل إلى آلاف السنين، مع تسجيل حالات تعذيب وقتل خارج إطار القانون.

كما تم حظر نشاط النقابات المستقلة واستبعاد المعارضة من المشاركة السياسية، مما أدى إلى تفاقم الاحتقان الشعبي وزيادة الاستبداد.

 

وعود السيسي.. بين الخداع والخذلان

"مصر ستكون في مكان تاني خلال سنتين"، "هنعمل لكم جمهورية جديدة"، "مش هنستلف تاني" كانت هذه نماذج من وعود عبد الفتاح السيسي التي أطلقها في مؤتمراته وتصريحاته المتكررة، لكن واقع المصريين على الأرض يكشف عن اتساع الفجوة بين القول والفعل، بدلاً من تقليص الاقتراض، باتت مصر أكبر دولة في إفريقيا في حجم الدين العام.

مشاريع كبرى مثل العاصمة الإدارية الجديدة وقطار المونوريل استنزفت مليارات الدولارات دون أي عائد حقيقي على المواطن.

وحتى ملف الإسكان الذي تفاخر به النظام، لم يحل أزمة السكن، بل تضاعفت أسعار العقارات وأُهملت المناطق العشوائية لحساب الأبراج الفاخرة التي يسكنها الأثرياء فقط.

 

الخدمات الأساسية.. الفشل يطال أبسط الحقوق

في عهد ما بعد الانقلاب، أصبحت حتى الخدمات الأساسية رفاهية، في صيف 2024، شهدت محافظات مثل السويس والقاهرة الكبرى انقطاعات متكررة في مياه الشرب والكهرباء، مع عجز حكومي واضح عن المواجهة.

أما شبكة المواصلات، فتعاني من تهالك مستمر رغم تصريحات التطوير، والطرق الجديدة التي تم إنشاؤها لم تحل أزمة المرور بقدر ما خدمت المشاريع العقارية والمناطق العسكرية.

أضف إلى ذلك تراجع مستوى النظافة، وارتفاع تكلفة الخدمات الطبية والتعليمية والنقل إلى مستويات تثقل كاهل الطبقة الوسطى.

 

المصريون في الذكرى الـ12.. الخوف والصمت والغضب المكتوم

بينما تُنظم فعاليات رسمية لتمجيد ما يُسمى بـ"ثورة 30 يونيو"، يعيش المصريون في صمت خانق، تحاصره أجهزة الأمن والمراقبة، ويغذيه خوف متجذر من البطش والقمع.

فقد اعتقلت السلطات منذ 2013 أكثر من 60 ألف مواطن لأسباب سياسية بحسب منظمات حقوقية، بينهم أساتذة وصحفيون وطلاب وقضاة.

يعيش المواطن اليوم في ظل دولة بوليسية تغيب فيها الشفافية، ويُصادر فيها الرأي الآخر، وتُدار فيها مؤسسات الدولة بالعسكرة لا بالكفاءة.

تمر الذكرى الـ12 لانقلاب السيسي، والبلاد في حالة انهيار ممنهج يتلمسه المواطن في رغيف الخبز، وسرير المستشفى، ودفتر المدرسة، وشاشة الأخبار، إنها ليست مجرد خسائر سياسية، بل نزيف يومي طال كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية.

ومع كل ذكرى، يتجدد السؤال المؤلم: ماذا خسر المصريون منذ انقلاب السيسي؟

والإجابة، للأسف، باتت ملموسة في تفاصيل الحياة اليومية لأغلب المصريين.